Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 91-96)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } : عبارة تقتضي جملةَ مدحٍ وصفةَ تخلُّصٍ ، وحصولَ عالٍ من المراتب ، والمعنى : ليس في أمرهم إلاَّ السلامُ والنجاةُ من العذاب ؛ وهذا كما تقول في مدح رجل : أَمَّا فلان فناهيك به ، فهذا يقتضي جملةً غيرَ مفصلة من مدحه ، وقدِ اضطربت عباراتُ المُتَأَوِّلِينَ في قوله تعالى : { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ } فقال قوم : المعنى : فيقال له سلام لك إنَّكَ من أصحاب اليمين ، وقال الطبريُّ : { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ } : أنت من أصحاب اليمين ، وقيل : المعنى : فسلام لك يا محمد ، أي : لا ترى فيهم إلاَّ السلامة من العذاب . * ت * : ومن حصلت له السلامةُ من العذاب فقد فاز دليله { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [ آل عمران : 185 ] قال * ع * : فهذه الكاف في { لَّكَ } إمَّا أنْ تكونَ للنبي صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر ، ثم لكل مُعْتَبِرٍ فيها من أُمَّتِهِ ، وإمَّا أَنْ تكونَ لمن يخاطب من أصحاب اليمين ، وغيرُ هذا ـــ مِمَّا قيل ـــ تَكَلُّفٌ ، ونقل الثعلبيُّ عن الزَّجَّاج : { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ } أي : إنَّك ترى فيهم ما تحب من السلامة ، وقد علمتَ ما أَعَدَّ اللَّه لهم من الجزاء بقوله : { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } الآيات … والمكذبون الضالُّون : هم الكفار ، أصحابُ الشمال والمشأَمة ، والنُّزُلُ : أول شيء يقدم للضيف ، والتصلية : أنْ يباشر بهم النار ، والجحيم معظم النار وحيث تراكمها . { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } المعنى : إنَّ هذا الخبرَ هو نفس اليقين وحقيقتُه . وقوله تعالى : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } عبارة تقتضي الأمر بالإِعراض عن أقوال الكفار وسائر أمور الدنيا المختصة بها ، وبالإقبال على أمور الآخرة وعبادة اللَّه تعالى ، والدعاء إليه . * ت * : وعن جابر بن عبد اللَّه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ [ الْعَظِيمِ ] وَبِحَمْدِهِ ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الْجَنَّةِ " رواه الترمذي ، والنسائيُّ ، والحاكم ، وابن حبان في « صحيحيهما » ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وعند النسائِيِّ : « شَجَرَةَ » بدل « نَخْلَةَ » ، وعنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ التَسْبِيحَ ، وَالتَّهْلِيلَ ، وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا ، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ أَوْ لاَ يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ " ، ورواه أيضاً ابن المبارك في « رقائقه » عن كعب ، وفيه أيضاً عن كعب أَنَّهُ قال : « إنَّ لِلْكَلاَمِ الطَّيِّبِ حَوْلَ الْعَرْشِ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ » انتهى ، وعن أبي هريرةَ " أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْساً فَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ ؟ قُلْتُ : غِرَاساً ، قَالَ : أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هٰذَا ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلاَ إلٰهَ إلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ؛ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ في الجَنَّةِ " روى هذين الحديثين ابن ماجه واللفظ له ، والحاكم في « المستدرك » ، وقال في الأول : صحيح على شرط مسلم ، انتهى من « السلاح » ، ورَوَى عُقْبَةُ بن عامر قال : " لَمَّا نزلتْ : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : اجْعَلُوهَا في رُكُوعِكُمْ ؛ فَلَمَّا نَزَلَتْ : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قَالَ : اجْعَلُوهَا في سُجُودِكُمْ " ، فيحتمل أنْ يكونَ المعنى : سبح اللَّه بذكر أسمائه العلا ، والاسم هنا بمعنى : الجنس ، أي : بأسماء ربك ، والعظيم : صفة للرب سبحانه ، وقد يحتمل أَنْ يكون الاسم هنا واحداً مقصوداً ، ويكون « العظيم » صفة له ، فكأَنَّه أمره أَنْ يسبِّحَهُ باسمه الأعظم ، وإنْ كان لم يَنُصَّ عليه ، ويؤيِّدُ هذا ويشير إليه اتصالُ سورة الحديد وأوَّلُها فيها التسبيح ، وجملة من أسماء اللَّه تعالى ، وقد قال ابن عباس : اسم اللَّه الأعظم موجود في سَتِّ آيات من أَوَّلِ سورة الحديد ، فتأمَّل هذا ، فإنَّهُ من دقيق النظر ، وللَّه تعالى في كتابه العزيز غوامضُ لا تكاد الأذهانِ تدركها .