Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 12-13)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ … } الآية ، العامل في { يَوْمَ } قوله : { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } والرؤية هنا رؤية عينٍ ، والجمهور أَنَّ النورَ هنا هو نور حقيقة ، وقد روي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها : أَنَّ كل مؤمن ومُظْهِرٍ للإيمان ، يُعْطَى يومَ القيامة نوراً فَيُطْفَأُ نُورُ كُلِّ منافقٍ ، ويبقَىٰ نورُ المؤمنين ، حتى إِنَّ منهم مَنْ نورُه يضيء كما بين مَكَّةَ وصنعاءَ ؛ رفعه قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم مَنْ نوره كالنخلة السحوق ، ومنهم مَنْ نورُه يضيء ما قَرُبَ من قدميه ؛ قاله ابن مسعود ، ومنهم مَنْ يَهُمُّ بالانطفاء مرة وَيَبِينُ مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية ، قال الفخر : قال قتادة : ما من عبد إلاَّ وينادى يوم القيامة : يا فلان ، هذا نورك ، يا فلان ، لا نورَ لك ، نعوذ باللَّه من ذلك ! واعلم أَنَّ العلمَ الذي هو نور البصيرة أولى بكونه نوراً من نور البصر ، وإذا كان كذلك ظهر أَنَّ معرفة اللَّه تعالى هي النورُ في القيامة ، فمقادير الأنوار يومَ القيامة على حسب مقادير المعارف في الدنيا ، انتهى ، ونحوه للغزالي ، وخَصَّ تعالى بين الأيدي بالذكر ؛ لأَنَّهُ موضع حاجة الإنسان إلى النور ، واخْتُلِفَ في قوله تعالى : { وَبِأَيْمَـٰنِهِم } فقال بعض المتأولين : المعنى : وعن أيمانهم ، فكأَنَّه خَصَّ ذكر جهة اليمين ؛ تشريفاً ، وناب ذلك مَنَابَ أَنْ يقول : وفي جميع جهاتهم ، وقال جمهور المفسرين : المعنى : يسعى نورُهم بين أيديهم ، يريد الضوء المنبسط من أصل النور ، { وَبِأَيْمَـٰنِهِم } : أصله ، والشيءُ الذي هو مُتَّقَدٌ فيه ، فتضمن هذا القولُ أَنَّهم يحملون الأنوار ، وكونهم غير حاملين أكرم ؛ أَلاَ ترى أَنَّ فضيلةَ عباد بن بشر وأسيد بن حضير إنَّما كانت بنور لا يحملانه ، هذا في الدنيا ، فكيف بالآخرة ؟ ! * ت * : وفيما قاله * ع * : عندي نظر ، وأَيضاً فأحوال الآخرة لا تُقَاسُ على أحوال الدنيا ! . وقوله تعالى : { بُشْرَاكُمُ } أي : يقال لهم : بشراكم { جَنَّـٰتُ } أي دخولُ جنات . * ت * : وقد جاءت ـــ بحمد اللَّه ـــ آثار بتبشير هذه الأُمَّةِ المحمديَّةِ ، وخَرَّجَ ابن ماجة قال : أخبرنا جُبَارة بن المغلِّس ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن أبي بردة ، عن أبيه قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إذَا جَمَعَ [ اللَّهُ ] الخَلاَئِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَذِنَ لاُّمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في السُّجُودِ ، فَسَجَدُوا طَوِيلاً ، ثُمَّ يُقَالُ : ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ ، فَقَدْ جَعَلْنَا عِدَتَكُمْ فِدَاءَكُمْ مِنَ النَّارِ " ، قال ابن ماجه : وحدَّثنا جُبَارَةُ بْنُ المُغَلِّسِ ، حدثنا كِثِيرُ بن سليمان : عن أنس بن مالك ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ هٰذِهِ الأُمَّةَ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ ، عَذَابُهَا بِأَيْدِيهَا ، فَإذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعَ إلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ فَيُقَالُ : هٰذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ " ، وفي « صحيح مسلم » : " دَفَعَ اللَّهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ : هٰذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ " انتهى من « التذكرة » . وقوله تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } قيل : { يَوْمَ } هو بدل من الأول ، وقيل : العامل فيه « اذكر » ، قال * ع * : ويظهر لي أَنَّ العاملَ فيه قوله تعالى : { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } ويجيء معنى الفوز أَفْخَمَ ؛ كأَنَّهُ يقول : إنَّ المؤمنين يفوزون بالرحمة يومَ يعتري المنافقين كذا وكذا ، لأَنَّ ظهورَ المرء يومَ خمول عَدُوِّه ومُضَادِّهِ أَبْدَعُ وأَفْخَمُ ، وقول المنافقين هذه المقالةَ المحكية ، هو عند انطفاء أنوارهم ، كما ذكرنا قبل ، وقولهم : « انْظُرُونَا » معناه : انتظرونا ، وقرأ حمزة وحده : { ٱنظُرُونَا } ـــ بقطع الألف وكسر الظاء ـــ ومعناه أَخِّرُونا ؛ ومنه : { فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ } ومعنى قولهم أَخِّرونا ، أي : أخِّروا مشيَكم لنا ؛ حَتَّى نلتحق فنقتبسَ من نوركم ، واقتبس الرجل : أخذ من نور غيره قَبَساً ، قال الفخر : القَبَسُ : الشعلة من النار والسراج ، والمنافقون طَمِعُوا في شيء من أنوار المؤمنين ، وهذا منهم جهل ؛ لأَنَّ تلك الأنوار نتائج الأعمال الصالحة في الدنيا ، وهم لم يقدموها ، قال الحسن : يُعْطَى يومَ القيامة كُلُّ أحد نوراً على قَدْرِ عمله ، ثم يؤخذ من حجر جهنم ومِمَّا فيها من الكلاليب والحسك ويُلْقَى على الطريق ، ثم تمضي زمرة من المؤمنينَ ، وُجُوهُهُم كالقمر ليلةَ البدر ، ثم تمضي زمرة أُخرى كأضوأ كوكب في السماء ، ثم على ذلك ، ثم تغشاهم ظلمة تُطْفِىءُ نورَ المنافقين ، فهنالك يقول المنافقون للذين آمنوا : { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } ، انتهى . وقوله تعالى : { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءَكُمْ } يحتمل أنْ يكون من قول المؤمنين [ لهم ] ، [ ويحتمل أنْ يكون من قول ] الملائكة ، والقول لهم : { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } : هو على معنى التوبيخ لهم ، أي : إنَّكم لا تجدونه ، ثم أعلم تعالى أَنَّهُ يضرب بينهم في هذه الحال بسورٍ حاجز ، فيبقى المنافقون في ظُلْمَةٍ وعذاب . وقوله تعالى : { بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } أي : جهة المؤمنين { وَظَـٰهِرُهُ } : جهة المنافقين ، والظاهر هنا : البادي ؛ ومنه قول الكُتَّابِ : من ظاهر مدينة كذا ، وعبارة الثعلبيِّ : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } : وهو حاجز بين الجنة والنار ، قال أبو أمامة الباهليُّ : فيرجعون إلى المكان الذي قُسِّمَ فيه النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم ، وقد ضُرِبَ بينهم بسور ، قال قتادة : حائط بين الجنة والنار ، له باب { بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } ، يعني : الجنة ، { وَظَـٰهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } يعني النار ، انتهى ، قال * ص * : قال أبو البقاء : الباء في { بِسُورٍ } زائدة ، وقيل : ليست بزائدة ، قال أبو حيان : والضمير في { بَاطِنُهُ } عائدٌ على الباب ، وهو الأظهر لأَنَّهُ الأقرب ، وقيل : على سور ، أبو البقاء : والجملة صفة لـ « باب » أو لـ « سور » ، انتهى .