Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 17-19)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْىِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا … } الآية ، مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين نُدِبُوا إلى الخشوع ، وهذا ضرب مَثَلٍ ، واستدعاء إلى الخير برفق وتقريب بليغ ، أي : لا يبعد عندكم أَيُّها التاركون للخشوع رُجُوعُكُمْ إليه وتلبسكم به ، فإنَّ اللَّه يحيي الأرضَ بعد موتها ، فكذلك يفعل بالقلوب ، يرُدُّهَا إلى الخشوع بعد بُعْدِهَا عنه ، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابةُ والتَّكَسُّبُ من العبد بعد نفورها منه ، كما يحيي الأرضَ بعد أَنْ كانت ميتة ، وباقي الآية بين ، و { ٱلْمُصَّدِّقِينَ } : يعني به المتصدقين ، وباقي الآية بين . * ت * : وقد جاءت آثار صحيحة في الحَضِّ على الصدقة ، قد ذكرنا منها جملة في هذا المختصر ، وأسند مالك في « الموطأ » عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهُ قال : " يَا نِسَاءَ المُؤْمِنَاتِ ، لاَ تَحْقِرَنَّ إحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا ، وَلَوْ كُرَاعَ شَاةٍ مُحْرَقاً " وفي « الموطأ » عنه صلى الله عليه وسلم " رُدُّواْ السَّائِلَ وَلَوْ بِظَلِفٍ مُحْْرَّقٍ " قال ابن عبد البر في « التمهيد » : ففي هذا الحديث الحَضُّ على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها ، وفي قول اللَّه عز وجل : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] أوضح الدلائل في هذا الباب ، وتصدقت عائشةُ ـــ رضي اللَّه عنها ـــ بحبتين من عنب ، فنظر إليها بَعْضُ أهل بيتها فقالت : لا تَعْجَبْنَ ؛ فكم فيها من مثقال ذرة ، ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم : " اتَّقُوا النَّارَ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " وإِذا كان اللَّه عز وجل يُرْبي الصدقاتِ ، ويأخذ الصدقةَ بيمينه فَيُرَبِّيَهَا ، كما يُرَبِّي أَحَدُنَا فَلَوَّه أَوْ فَصِيلَهُ ـــ فما بالُ مَنْ عَرَفَ هذا يَغْفُلُ عنه ! وما التوفيق إلاَّ باللَّه ، انتهى من « التمهيد » ، وروى ابن المبارك في « رقائقه » قال : أخبرنا حرملة بن عمران أَنَّهُ سَمِعَ يزيد بن أبى حَبِيبٍ يحدِّثُ أَنَّ أبا الخير حدثه : أَنَّه سمع عقبة بن عامر يقول : سَمِعْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " كُلُّ امْرِىءٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَل بَيْنَ النَّاسِ " قال يزيد : فكان أبو الخير لا يخطئه يومٌ إلاَّ تصدق فيه بشيء ، ولو كَعْكَةً أو بَصَلَةً أو كذا ، انتهى ، و { ٱلصِّدِّيقُونَ } : بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق ؛ على ما ذكر الزَّجَّاج . وقوله تعالى : { وَٱلشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ } : اخْتُلِفَ في تأويله فقال ابن مسعود وجماعة : { وَٱلشُّهَدَاءُ } : معطوف على : { ٱلصِّدِّيقُونَ } والكلامُ متَّصل ، ثم اختلفتْ هذه الفرقةُ في معنى هذا الاتصال ، فقال بعضها : وَصَفَ اللَّه المؤمنين بأَنَّهم صديقون وشهداء ، فَكُلُّ مؤمن شهيد ؛ قاله مجاهد ، وروى البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مُؤْمِنُو أُمَّتِي شُهَدَاءُ » ، وَتَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآية وإنَّما خَصَّ صلى الله عليه وسلم ذكر الشهداء السبعة تشريفاً لهم ؛ لأَنَّهُم في أعلى رتب الشهادة ؛ أَلاَ ترى أَنَّ المقتولَ في سبيل اللَّه مخصوصٌ أيضاً من السبعة بتشريف ينفرد به ، وقال بعضها : { ٱلشُّهَدَاءُ } هنا : من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد ، فكأَنَّه قال : هم أهل الصدق والشهداءُ على الأمم ، وقال ابن عباس ، ومسروق ، والضحاك : الكلام تامٌّ في قوله : { ٱلصِّدِّيقُونَ } ، وقوله : { وَٱلشُّهَدَاءُ } : ابتداءٌ مستأنف ، ثم اختلفتْ هذه الفرقةُ في معنى هذا الاستئناف ، فقال بعضها : معنى الآية : والشهداءُ بأنَّهم صديقون حاضرون عند ربهم ، وعَنَى بالشهداء الأنبياء ـــ عليهم السلام ـــ . * ت * : وهذا تأويل بعيد من لفظ الآية ، وقال بعضها : قوله : { وَٱلشُّهَدَاءُ } ابتداء يريد به الشهداءَ في سبيل اللَّه ، واستأنف الخبر عنهم بأَنَّهم : { عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } فكأَنَّه جعلهم صِنْفاً مذكوراً وحده . * ت * : وأبينُ هذه الأقوال الأوَّلُ ، وهذا الأخيرُ ، وإنْ صَحَّ حديث البَرَاءِ لم يُعْدَلْ عنه ، قال أبو حيان : والظاهر أَنَّ { ٱلشُّهَدَاءُ } مبتدأ خبره ما بعده ، انتهى . وقوله تعالى { وَنُورُهُمْ } قال الجمهور : هو حقيقة حسبما تقدم .