Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 103-107)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } ، أجمع أهلُ السنَّة علَىٰ أن اللَّه عزَّ وجلَّ يُرَىٰ يوم القيامة ، يَرَاهُ المؤمنون ، والوَجْه أنْ يبيَّن جواز ذلك عقلاً ، ثم يستند إلى ورود السمعِ بوقوعِ ذلك الجائِزِ ، وٱختصارُ تبْيِينِ ذلك : أنْ يعتبر بعلمنا باللَّه ـــ عز وجل ـــ ؛ فمن حيثُ جاز أنْ نعلمه ؛ لا في مكانٍ ، ولا متحيِّزاً ، ولا مُقَابَلاً ، ولم يتعلَّق علمنا بأكثر من الوجودِ ، جاز أن نراه ؛ غير مقابلٍ ، ولا محاذًى ، ولا مكيَّفاً ، ولا محدَّداً ، وكان الإمام أبو عبد اللَّه النحويُّ يقولُ : مسألةُ العِلْمِ حَلَقَتْ لِحَى المُعْتَزِلة ، ثم ورد الشرْعُ بذلك ؛ كقوله عزَّ وجلَّ : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] ، وتعدية النَّظَر بـ « إلَىٰ » إنما هو في كلام العربِ ؛ لمعنى الرؤية لا لمعنى الانتظار ؛ علَىٰ ما ذهب إليه المعتزلة ؛ ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه ، وتواتر ، وكثر نقله : " إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ ؛ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ " ، ونحوه من الأحاديث الصحيحةِ علَى ٱختلافِ ألفاظها ، وٱستمْحَلَ المعتزلةُ الرؤيةَ بآراءٍ مجرَّدةٍ ، وتمسَّكوا بقوله تعالَىٰ : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } وانفصال أهل السنَّة عن تمسُّكهم ؛ بأن الآية مخصُوصَةٌ في الدنيا ، ورؤية الآخرة ثابتةٌ بأخبارها ؛ وأيضاً فإنا نَفْرُقُ بين معنى الإدراك ، ومعنى الرؤْيةِ ، ونقول : إنه عز وجل تراه الأبصار ، ولا تدركه ؛ وذلك أن الإدراك يتضمَّن الإحاطة بالشيء ، والوصولَ إلى أعماقِهِ وحَوْزِهِ من جميع جهاتِهِ ، وذلك كلُّه محالٌ في أوصافِ اللَّه عزَّ وجلَّ ، والرؤيةُ لا تفتقرُ إلى أنْ يحيطَ الرائي بالمرئيِّ ، ويبلغ غايته ، وعلَىٰ هذا التأويل يترتَّب العَكْس في قوله : { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } ، ويحسن معناه ، ونحو هذا رُوِيَ عن ابن عباسٍ وقتادة وعطيَّة العَوْفِيِّ ؛ أنهم فَرَقُوا بين الرؤية والإدراك ، و { ٱللَّطِيفُ } : المتلطِّف في خلقه وٱختراعه ، والبَصَائِرُ : جمع بَصِيرة ، فكأنه قال : قد جاءكم في القرآن والآياتِ طرائقُ إبصار الحقِّ ، والبصيرةُ للقَلْبِ مستعارةٌ من إبصارِ العَيْن ، والبصيرةُ أيضاً هي المُعْتَقَدُ . وقوله سبحانه : { فَمَنْ أَبْصَرَ } ، و { مَنْ عَمِيَ } : عبارةٌ مستعارةٌ فيمن ٱهتدَىٰ ، ومَنْ ضَلَّ ، وقوله : { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } ـــ كان في أول الأمر وقَبْلَ ظهور الإسلام ، ثم بعد ذلك كان صلى الله عليه وسلم حفيظاً على العَالَمِ ، آخذاً لهم بالإسلام ؛ أو السيفِ . وقوله سبحانه : { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلأَيَـٰتِ } أي : نردِّدها ونوضِّحها ، وقرأ الجمهور : « وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ » ـــ بكسر اللام ـــ ؛ علَىٰ أنها لامُ كَيْ ، وهي علَىٰ هذا لامُ الصيرورة ، أي : لَمَّا صار أمرهم إلى ذلك ، وقرأ نافع وغيره : « دَرَسْتَ » ، أي : يا محمد دَرَسْتَ في الكتبِ القديمةِ ما تجيئُنا به ، وقرأ ابن كثير وغيره : « دَارَسْتَ » ، أي : دارَسْتَ غيرك وناظرته ، وقرأ ابن عامر : « دَرَسَتْ » ـــ بإسناد الفعل إلى الآيات ـــ ؛ كأنهم أشاروا إلى أنها تردَّدت على أسماعهم ؛ حتى بَلِيَتْ في نفوسهم ، وٱمَّحَتْ ، واللام في قوله : { لِّيَقُولواْ } ، وفي قوله : { وَلِنُبَيِّنَهُ } : متعلِّقانِ بفعلِ متأخِّر ، وتقديره : « صَرَّفْنَاهَا » ، وذهب بعض الكوفيِّين إلى أنَّ « لا » : مضمرةٌ بعد « أَنِ » المقدَّرةِ في قوله : { وَلِيَقُولُواْ } ، فتقدير الكلام عندهم : وَلأنْ لاَ يَقُولُوا دَرَسْتَ ؛ كما أضمروها في قوله : { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } [ النساء : 176 ] . قال * ع * : وهذا قَلِقٌ ، ولا يجيز البصريُّون إضمار « لا » في موضعٍ من المواضعِ . قلت : ولكنه حسن جدًّا من جهة المعنَىٰ ؛ إذ لا يعلمون أنه دَرَسَ أو دَارَسَ أحداً صلى الله عليه وسلم ، فتأمَّله . وقوله سبحانه : { ٱتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } الآية : هذه الآيةُ فيها موادَعَةٌ ، وهي منسوخةٌ .