Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 100-102)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ ٱلْجِنَّ } : { جَعَلُواْ } : بمعنى صَيَّروا ، و { ٱلْجِنَّ } : مفعولٌ ، و { شُرَكَاءَ } مفعولٌ ثانٍ . قال * ص * : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء ٱلْجِنَّ } : { جَعَلُواْ } : بمعنى : صَيَّروا ، والجمهورُ على نَصْب « الجنِّ » ، فقال ابن عطيَّة وغيره : هو مفعولٌ أول لِـ { جَعَلُواْ } ، و { شُرَكَاء } الثاني ، وجوَّزوا فيه أن يكون بدلاً من { شُرَكَاء } ، و { لِلَّهِ } في موضع المفعولِ الثانيِ ، و { شُرَكَاء } الأول ، وردَّه أبو حَيَّان ؛ بأن البدل حينئذ لا يَصحُّ أن يحل محلَّ المبدل منه ؛ إذ لو قلْتَ : وجعلوا للَّه الجنَّ ، لم يصحَّ ، وشرط البدل أنْ يكون على نيَّة تكرار العامل ؛ على الأشهر ، أو معمولاً للعاملِ ، في المُبْدَلِ منه ؛ على قول ، وهذا لا يصحُّ ؛ كما ذكرنا ، قلْتُ : وفيه نظر . انتهى ، قلتُ : وما قاله الشيخُ أبو حَيَّان عندي ظاهرٌ ، وفي نظر الصَّفَاقُسِيِّ نَظَرٌ ، وهذه الآية مشيرة إلى العادِلِينَ باللَّه تعالَىٰ ، والقائلين : إن الجنَّ تعلم الغيْبَ ، العابدين للجنِّ ، وكانت طوائفُ من العرب تفعَلُ ذلك ، وتستجير بجِنِّ الوادِي في أسفارها ونحوِ هذا ، وأما الذين خَرَقُوا البنينَ ، فاليهودُ في ذكْر عُزَيْرٍ ، والنصارَىٰ في ذكر المسيحِ ، وأما ذاكرو البناتِ ، فالعربُ الذين قالوا : الملائكةُ بناتُ اللَّهِ ، تعالى اللَّه عن قولهم ؛ فكأنَّ الضمير في { جَعَلُواْ } و { خَرَقُوا } ؛ لجميع الكفَّار ؛ إذ فَعَلَ بعضُهم هذا ، وبعضُهم هذا ، وبنحو هذا فسَّر السُّدِّيُّ وابن زَيْد ، وقرأ الجمهورُ : « وَخلَقَهُمْ » ـــ بفتح اللام ـــ ؛ على معنى : وهو خلقهم ، وفي مصحف ابنِ مسعود : « وَهُوَ خَلَقَهُمْ » ، والضمير في { خَلْقَهُمْ } يَحْتَمِلُ العودَةَ على الجاعلين ، ويحتملُها على المجْعُولِينَ ، وقرأ السبعة سوَىٰ نافعٍ : « وَخَرَقُوا » ـــ بتخفيف الراء ـــ ؛ بمعنى اختلقوا وٱفتَروا ، وقرأ نافع : « وَخَرَّقُوا » ـــ بتشديد الراء ـــ ؛ على المبالغة ، وقوله : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } نصٌّ على قُبْح تقحُّم المَجْهَلة ، وافتراءِ الباطلِ علَىٰ عَمًى ، و { سُبْحَـٰنَهُ } : معناه : تنزَّه عن وصفهم الفاسدِ المستحيلِ عليه تبارك وتعالَىٰ ، و { بَدِيعُ } : بمعنى : مُبْدِع ، و { أَنَّىٰ } : بمعنى : كيف ، وأين ، فهي ٱستفهامٌ في معنى التوقيفِ والتقريرِ ، وهذه الآيةُ ردٌّ على الكفار بقياس الغائِبِ على الشاهد . وقوله سبحانه : { وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء } لفظٌ عامٌّ لكلِّ ما يجوز أن يدخل تحته ، ولا يجوز أنْ يدخل تحته صفاتُ اللَّهِ تعالَىٰ ، وكلامُهُ ، فليس هو عموماً مخصَّصاً ؛ علَىٰ ما ذهب إليه قوم ؛ لأن العموم المخصَّص هو أن يتناول العموم شيئاً ، ثم يخرجه التخصيصُ ، وهذا لم يتناولْ قطُّ هذه التي ذكرناها ، وإنما هذا بمنزلة قَوْلِ الإنسان : قَتَلْتُ كُلَّ فَارِسٍ ، وأَفْحَمْتُ كُلَّ خَصْمٍ ، فلم يدخلِ القائلُ قطُّ في هذا العمومِ الظاهرِ من لفظه ، وأما قوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فهو عمومٌ على الإطلاق ؛ لأنه سبحانه يعلم كلَّ شيء ، لا ربَّ غيره ، وباقي الآية بيِّن .