Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 10-12)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ } الآية تَسْلِيَةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بالأُسْوَةِ في الرسل ، وتقوية لنفسه على مُحَاجَّةِ المشركين ، وإخبار يَتَضَمَّنُ وعيد مُكَذِّبِيهِ ، والمستهزئين به . و { حاق } معناه : نزل ، وأحاط ، وهي مَخْصُوصَةٌ في الشر ؛ يقال : حَاقَ يَحِيقُ حَيْقاً . وقوله سبحانه : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } حَضٌّ على الاعتبار بآثارَ مَنْ مضى ممن فَعَلَ مِثْلَ فعلهم . وقوله سبحانه : { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ قُل لِلَّهِ } . قال بعض أَهْلِ التَّأوِيلِ : تَقْدِيرُ الكلام : قُلْ لِمَنْ مَا فِي السموات والأرض ، فإذا تحيروا فلم يُجِيبُوا قل للَّه . والصحيح من التَّأويل أن اللَّه ـــ عزَّ وَجَلَّ ـــ أمر نبيه ـــ عليه السلام ـــ أن يَقْطَعَهُمْ بهذه الحُجَّةِ ، والبرهان القطعي الذي لا مُدَافَعَةَ فيه عندهم ، ولا عند أَحَدٍ ليعتقدَ هذا المعتقد الذي بينه وبينهم ، ثم يَتَرَكَّب احْتِجَاجُهُ عليه ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : يأيها الكافرون العَادِلُونَ بربهم لمن ما في السموات والأَرْضِ ، ثم سَبَقَهُمْ فقال : للَّه أي لا مُدَافَعَةَ في هذا عندكم ، ولا عند أحد . ثم ابتدأ يخبر عن اللَّه تعالى : { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } معناه : قضاها وأَنْفَذَهَا . وفي هذا المعنى أحاديث صَحِيحَةٌ ؛ ففي « صَحِيحِ مُسْلِمٍ » ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم " جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مَائَةً جُزْءٍ ، فأمسك عنده تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً ، فمن ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلاَئِقُ حتى تَرْفَعُ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا ؛ خَشْيَةَ أن تُصِيبَهُ " . ولمسلم في طَرِيقٍ آخرُ : " كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طبَاقُ مَا بَيْنِ السَّمَاءِ والأَرْضِ ، فإذا كان يَوْمُ القِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بهذه الرَّحْمة " . وخرج مسلم ، والبخاري ، وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم قال : " لما خَلَقَ اللَّه الخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابٍ ، فهو عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ : إن رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي " . وفي طريق : " سَبَقَتْ غَضَبِي " إلى غير ذلك من الأحاديث . انتهى . قال * ع * : فما أشْقَىٰ مَنْ لم تَسَعْهُ هذه الرَّحَمَاتُ . تَغَمَّدَنَا اللَّهِ بِفَضْلٍ منه . ويتضمن هذا الإخبار عن اللَّه ـــ سبحانه ـــ بأنه كتب الرَّحْمَةَ لتأنيس الكفار ، ونفي يَأْسهم من رَحْمَةِ اللَّه إذا أَنَابُوا . واللام في قوله : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } لام قَسَم ، والكلام مستأنف ، وهذا أظهر الأَقْوَالِ وأصحها . وقوله سبحانه : { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . { ٱلَّذِينَ } رفع بالابتداء ، وخبره : { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .