Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 111-112)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ … } الآية : أخبر سبحانه أنه لو أتَىٰ بجميع ما ٱقترحُوه مِنْ إنزال ملائكةٍ وإحياءِ سلفهم حَسْبما ٱقترحه بعضُهم ؛ أنْ يُحْشَرَ قُصَيٌّ وغيره ، فيخبر بصدْقِ محمَّد ـــ عليه السلام ـــ ، أو يحشر عليهم كلُّ شيء قُبُلاً ـــ ما آمنوا إلا بالمشيئةِ واللُّطْفِ الذي يخلقه ويَخْتَرِعُه سبحانه في نفْسِ مَنْ يشاء ، لا ربَّ غيره . وقرأ نافع وغيره : « قبلاً » ، ومعناه مواجهةً ومعاينةً ؛ قاله ابن عباس وغيره ، ونصبه علَى الحالِ ، وقال المبرِّد : معناه : ناحيةً ؛ كما تقول : لِي قِبَلَ فلانٍ دَيْنٌ . قال * ع * : فنصبه ؛ علَىٰ هذا : هو على الظرفِ ، وقرأ حمزة وغيره : « قُبُلاً » ـــ بضمِّ القافِ والباءِ ـــ ، وٱختلف في معناه ، فقال بعضهم : هو بمعنى « قِبَل » بكسر القافِ ، أي : مواجهةً ؛ كما تقول : قُبُل ودُبُر . وقال الزَّجَّاج والفَرَّاء : هو جَمْعُ قَبِيلٍ ، وهو الكفيل ، أي وحشرنا عليهم كلَّ شيء كُفَلاَءَ بصدْقِ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقال مجاهد وغيره : هو جمع قَبِيلٍ ، أي : صنفاً صنفاً ، ونوعاً نوعاً ، والنصب في هذا كلِّه على الحال ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } ، أي : يجهلون في ٱعتقادِهِمْ أن الآية تقتَضِي إيمانهم ، ولا بُدَّ ، فيقتضي اللفظ أنَّ الأقلَّ لا يجهل ، فكان فيهم من يعتقد أنَّ الآية لو جاءت لم يُؤْمِنْ إلا مَنْ شاء اللَّه منه ذلك ، قُلْتُ : وقال مكِّيٌّ : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } ، أي : في مخالَفَتِكَ ، وهم يعلمون أنَّك نبيٌّ صادقٌ فيما جئْتَهم به ، وروي أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدَاعِبُ أَبَا سُفْيَانَ بَعْدَ الفَتْحِ بِمِخْصَرَةٍ فِي يَدِهِ ، وَيَطْعُنُ بِهَا أَبَا سُفْيَانَ ، فَإذَا أَحْرَقَتْهُ ، قَالَ : نَحِّ عَنِّي مِخْصَرَتَكَ ، فَوَاللَّهِ ، لَوْ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هَذَا الأَمْرَ ، مَا ٱخْتَلَفَ عَلَيْكَ فِيهِ ٱثْنَانِ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَسْلَمْتَ لَهُ ، قِتَالُكَ إيَّايَ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ : تَظُنُّ أَنِّي كُنْتُ أُقَاتِلُكَ تَكْذِيباً مِنِّي لَكَ ، وَاللَّهِ ، مَا شَكَكْتُ فِي صَدْقِكَ قَطُّ ، وَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُكَ إلاَّ حَسَداً مِنِّي لَكَ ، فَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَزَعَ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِي ، فَكَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَشْتَهِي ذَلِكَ مِنْهُ ، وَيَتَبَسَّمُ " انتهى من « الهداية » . وقوله سبحانه : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ … } الآيةَ : تتضمَّن تسلية النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعَرْضَ القُدْوة عليه ، أي : هذا الذي ٱمتحنْتَ به ، يا محمَّد ، مِن الأعداء قد ٱمتحنَ به غَيْرُك من الأنبياء ؛ ليبتليَ اللَّه أُولِي العَزْم منهم ، و { شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } : يريدُ : المتمردِّين من النوعَيْن ، و { يُوحِي } : معناه : يلقيه في ٱختفاءٍ ، فهو كالمناجاةِ والسِّرَارِ ، و { زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ } : محسَّنه ومُزَيَّنه بالأباطيل ؛ قاله عكرمة ومجاهد ، والزخرفة ؛ أكثر ما تستعملُ في الشرِّ والباطل ، و { غُرُوراً } : مصدرٌ ، ومعناه يغرُّون به المضلَّلين ، والضمير في { فعَلُوهُ } عائدٌ على ٱعتقادِهِمُ العداوةَ ، ويحتملُ على « الوحْيِ » الذي تضمَّنه { يُوحِي } . وقوله سبحانه : { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } : لفظٌ يتضمَّن الأمر بالموادعة ، وهو منسوخٌ ؛ قال قتادة : كُلُّ « ذَرْ » في كتاب اللَّه ـــ منسوخٌ بالقتالِ .