Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 119-121)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ … } الآية : « ما » : ٱستفهامٌ يتضمَّن التقريرَ ، { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } ، أي : فصَّل الحرامَ من الحلالِ ، وٱنتزعه بالبيانِ ، و « ما » في قوله : { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } ، يريد بها : مِنْ جميع ما حَرَّم ؛ كالميتة وغيرها ، وهي في موضع نَصْب بالاستثناء ، والاستثناءُ منقطعٌ . وقوله سبحانه : { وَإِنَّ كَثِيراً } يريد الكفرة المحادِّين المجادلين ، ثم توعَّدهم سبحانه بقوله : { إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } . وقوله جلَّت عظمته : { وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } ـــ نهْيٌ عامٌّ ، والظاهرُ والباطنُ : يستوفيان جميع المعاصي ، وقال قوم : الظاهر : الأعمالُ ، والباطنُ : المعتَقَد ، وهذا أيضاً حسن ؛ لأنه عامٌّ ، وروى ابن المبارك في « رقائقه » بسنده ، عن أبي أُمَامة ، قال : " سَأَلَ رجُلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم : مَا الإثْمُ ؟ قَالَ : مَا حَكَّ فِي صَدْرِكَ ، فَدَعْهُ " ، وروى ابن المبارك أيضاً بسنده ؛ أنَّ رجلاً قال : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يَحِلُّ لِي مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عَلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَسْكُتُ رَسُولُ اللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ : أَنَا ذَا ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : مَا أَنْكَرَ قَلْبُكَ ، فَدَعْهُ " انتهى ، وقد ذكرنا معناه مِنْ طرُقٍ في غير هذا الموضعِ ، فأغنَىٰ عن إعادته . ثم توعَّد تعالى كَسَبَةَ الإثمِ بالمجازاةِ علَىٰ ما ٱكتسبوه من ذلك ، والاقترافُ : الاكتساب . وقوله سبحانه : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ … } الآية : مقصد الآية النهْيُ عن الميتة ؛ إذ هي جواب لقول المشركين : تَتْرُكُونَ ما قَتَلَ اللَّهُ ، ومع ذلك ، فلفظها يعمُّ ما تُرِكَتِ التسميةُ عليه من ذبائِحِ الإسلام ، وبهذا العمومِ تعلَّق ابن عمر وابنُ سيرينَ والشَّعْبِيُّ وغيرهم ؛ فقالوا : ما تُرِكَتِ التسميةُ علَيْه ، لم يؤكَلْ ، عمداً كان أونسياناً ، وجمهورُ العلماء على أنه يؤكل إن كان تركُها نسياناً ؛ بخلاف العَمْدِ ، وقيل : يؤكل ، سواءٌ تركَتْ عمداً أو نسياناً ، إلا أنْ يكون مستخِفًّا . وقوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ … } الآية : قال عكرمة : هم مَردَةُ الإنس من مجوسِ فَارِس ، وذلك أنهم كانوا يوالُونَ قُرَيْشاً على عداوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم : { لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ } ؛ من قريش { لِيُجَـٰدِلُوكُمْ } ؛ بقولهم : تأكلون ما قَتَلْتُمْ ولا تأكلون ما قَتَلَ اللَّه ؛ فذلك من مخاطبتهمْ هو الوحْيُ ، والأولياء هم قريشٌ ، وقال ابن زَيْد وعبد اللَّه بن كثير : بل الشياطينِ الجِنُّ ، واللفظة على وجْهها ، وأولياؤهم : كَفَرة قريش ، ووحْيُهم بالوسوسة ، وعلى ألسنة الكُهَّان . ثم نهى سبحانه عن طاعتهم بلفظ يتضمَّن الوعيدَ وعرض أصعب مثالٍ في أن يشبه المؤمن بالمُشْرك ، قال ابن العربيِّ : قوله تعالى : { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ } ، سمَّى اللَّه تعالَىٰ ما يقع في القلوبِ في الإلهام وحياً ، وهذا مما يطلقه شيوخُ المتصوِّفة ، وينكره جُهَّال المتوسِّمين بالعلْمِ ، ولم يعلموا أن الوحْيَ على ثمانيةِ أقسامٍ ، وأن إطلاقه في جميعها جائزٌ في دِينِ اللَّه . انتهى من « أحكام القرآن » .