Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 122-124)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَـٰهُ } ، لما تقدَّم ذكْر المؤمنين ، وذكْر الكافرين ، مثَّل سبحانه في الطائفتين بأنْ شَبَّه الذين آمنوا بَعْد كفرهم بأمواتٍ أُحْيُوا ، هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما ، وشَبَّه الكافرين وحَيْرَةَ جهلهم بقَوْمٍ في ظلمات يتردَّدون فيها ، ولا يمكنهم الخروجُ منها ؛ ليبيِّن عزَّ وجلَّ الفرق بيْنَ الطائفتَيْن ، والبَوْن بين المنزلتَيْن ، و { نُوراً } أمكن ما يعني به الإيمان ، قيل : ويحتمل أن يراد به النُّور الذي يُؤْتَاهُ المؤمن يوم القيامة ، { وَجَعَلْنَا } ؛ في هذه الآية : بمعنى صَيَّرنا ، فهي تتعدَّىٰ إلى مفعولَيْن ، الأول : { مُجْرِمِيهَا } ، والثاني : { أَكَـٰبِرَ } ، وفي الكلام ؛ علَىٰ هذا : تقديمٌ وتأخير ، وتقديره : وكذلك جعلنا في كلِّ قريةٍ مجرميها أَكَابِرَ ، وقدَّم الأهمَّ ؛ إذ لعلَّة كِبْرهم أجرموا ، ويصح أن يكون المفعولُ الأول : « أكابر » ، و « مجرميها » ؛ مضافٌ ، والمفعولُ الثانيِ : في قوله : { فِي كُلِّ قَرْيَةٍ } ، و { لِيَمْكُرُواْ } : نصب بلامِ الصيرورةِ ؛ والأكابر : جمع أكْبَر ؛ كما الأفاضلُ جمع أفْضَل ، قال الفَخْر : وإنما جعل المجرمين أكابر ؛ لأنهم لأجل رياستهم أقْدَرُ على الغَدْرِ والمَكْرِ ورُكُوبِ الباطلِ من غيرهم ؛ ولأن كثرة المال والجاه يَحْمِلاَنِ الإنسان على المبالغةِ في حِفْظهما ؛ وذلك الحِفْظُ لا يتمُّ إلا بجميع الأخلاق الذميمةِ ؛ كالغَدْر والمَكْر والكَذِب والغِيبة والنَّميمة والأَيْمَان الكاذبة ؛ ولو لم يكن للمالِ والجاهِ سوَىٰ أنَّ اللَّه تعالَىٰ حَكَم بأنه إنما وصفَ بهذه الأوصافِ الذميمةِ مَنْ كان له مالٌ وجاه ، لكَفَىٰ ذلك دليلاً على خَسَاسة المالِ والجَاهِ . انتهى ، وما ذكره من المال والجاه هو الأغلَبُ . { ومايَشْعُرُونَ } ، أي : ما يعلمون . وقوله سبحانه : { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ ءَايَةٌ } ، أي : علامةٌ ودليلٌ علَىٰ صحَّة الشرع ، تشطَّطوا ، وقالوا : لَنْ نؤمن حتَّى يُفْلَقَ لنا البَحْرُ ، ويَحْيَىٰ لنا الموتَىٰ ، ونحْوَ ذلك ، فردَّ اللَّه تعالَىٰ عليهم بقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } فيمن ٱصطفاه ، وٱنتخبه ، لا فيمن كَفَرَ ، وجعل يتشطَّط على اللَّه سبحانه ، قال الفَخْر : قال المفسِّرون : قال الوليدُ بْنُ المُغِيرَةِ : لو كانتِ النبوَّة حقًّا ، لكنْتُ أولَىٰ بها ، قال الضَّحَّاك : أراد كلُّ واحد من هؤلاء الكفرة أنْ يُخَصَّ بالوحْيِ والرسالةِ ؛ كما أخبر عنهم سبحانه : { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } [ المدثر : 52 ] انتهى . ثم توعَّد سبحانه بأن هؤلاء المجرمين الأكابر في الدنيا سيصيبهم عند اللَّه صَغَارٌ وذلَّة .