Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 162-165)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي … } الآية : أمْر من اللَّه عز وجل لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ أنْ يعلن بأنَّ مقصده في صلاته ، وطاعتِهِ من ذبيحة وغيرها ، وتصرفَهُ مدَّةَ حياتِهِ ، وحالهُ من إخلاصٍ وإيمانٍ عند مماته ـــ إنما هو للَّه عزَّ وجلَّ ، وإرادةِ وجهه ، وطَلَبِ رضاه ، وفي إعلان النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة ما يلزمُ المؤمنين التأسِّي به ؛ حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قَصْدَ وجه اللَّه عزَّ وجلَّ ، ويحتمل أن يريد بهذه المقالة ؛ أنَّ صلاته ونسكه وحياته ومماته بِيَدِ اللَّه عزَّ وجلَّ ، واللَّه يصرفه في جميع ذلك كَيْفَ شاء سبحانه ، ويكون قوله : { وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ } ؛ على هذا التأويل ـــ راجعاً إلى قوله : { لاَ شَرِيكَ لَهُ } فقطْ ، أو راجعاً إلى القول ؛ وعلى التأويل الأول ، يرجع إلى جميع ما ذُكِرَ من صلاة وغيرها ، وقالتْ فرقة : النُّسُكُ ؛ في هذه الآية : الذبائح . قال * ع * : ويُحَسِّن تخصيصَ الذبيحة بالذِّكْر في هذه الآية ؛ أنها نازلةٌ قد تقدَّم ذكرها ، والجَدَل فيها في السُّورة ، وقالتْ فرقة : النسك ؛ في هذه الآية : جميع أعمال الطاعاتِ ؛ مِنْ قولك : نَسَكَ فُلاَنٌ ، فَهُوَ نَاسِكٌ ؛ إذا تعبَّد ، وقرأ السبعة سوى نافع : « وَمَحْيَايَ » ـــ بفتح الياء ـــ ، وقرأ نافع وحده : « وَمَحْيَايْ » ـــ بسكون الياء ـــ ، قال أبو حَيَّان : وفيه جمع بين ساكنَيْنِ ، وسوَّغ ذلك ما في الألفِ من المَدِّ القائمِ مَقَام الحركَة . انتهى ، وقوله : « وأنا أول المسلمين » ، أي : من هذه الأمة . وقوله سبحانه : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ … } الآية : حكى النَّقَّاش أنه روي أنَّ الكُفَّار قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : ٱرْجِعْ يا محمَّد إلَىٰ ديننا ، وٱعبد آلهتنا ، وٱتْرُكْ ما أنت عليه ، ونحن نتكفَّل لك بكلِّ تباعة تتوقَّعها في دُنْيَاك وآخرتك ، فنزلَتْ هذه الآية ، وهي ٱستفهامٌ يقتضي التوبيخَ لهم ، و { أَبْغِي } : معناه أَطْلُبْ ؛ فكأنه قال : أفَيَحْسُنُ عندكم أن أَطْلُبَ إلهاً غير اللَّه الذي هو رَبُّ كلِّ شيء ، وما ذكَرْتُم من كَفَالَتِكُمْ باطلٌ ليس الأمرُ كما تظُنُّون ، فلا تَكْسِبُ كلُّ نفس من الشَّرِّ والإثم إلا عليها وحْدها ، { وَلاَ تَزِرُ } ، أي : تحملُ { وٰزِرَةٌ } ، أي : حاملةٌ حمل أخرَىٰ وثقلها ، و « الوِزْر » : أصله الثقل ، ثم ٱستعمل في الإثم ؛ تجوُّزاً وٱستعارةً ، { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } : تهديد ووعيد ، وقوله : { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } ، أي : في أمري في قول بعضكم : هو سَاحِرٌ ، وبعضكم : هو شاعرٌ ، إلى غير ذلك ؛ قاله بعض المتأوِّلين ، وهذا التأويلُ يَحْسُنُ في هذا الموضع ، وإن كان اللفظ يعمُّ جميع أنواع الاختلافاتِ بَيْن الأديان والمِلَلِ والمَذَاهِب وغَيْرِ ذلك ، و { خَلَـٰئِفَ } : جمع خَلِيفَةِ ، أي : يخلف بعضُكم بعضاً ؛ لأن مَنْ أتَىٰ خليفةٌ لِمَنْ مَضَىٰ ، وهذا يتصوَّر في جميع الأممِ وسائرِ أصنافِ الناسِ ، ولكنه يحْسُنُ في أمة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يسمى أهلها بجملتهم خلائِف للأمم ، وليس لهم من يخلفهم ؛ إذ هم آخر الأمم ، وعليهم تقومُ الساعة ، وروى الحَسَنُ بْنُ أبي الحسن ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " تُوفونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " ، ويروَىٰ : " أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ " . وقوله : { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ } : لفظٌ عامٌّ في المالِ ، والقوةِ ، والجاهِ ، وجودةِ النفُوسِ والأذهانِ ، وغير ذلك ، وكل ذلك إنما هو ليختبر اللَّه سبحانه الخلْقَ ، فيَرَى المحْسِنَ من المُسيء ، ولما أخبر اللَّه عزَّ وجلَّ بهذا ، ففسح للنَّاس مَيْدَانَ العَمَل ، وحضَّهم سبحانه على الاستباقِ إلى الخيراتِ ، توعَّد ووَعَد ؛ تخويفاً منه وترجيةً ، فقال : { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } إما بأخَذَاته في الدنيا ، وإما بعقاب الآخرة ، وحَسُنَ أنْ يوصف عقابُ الآخرة بـ « سريع » ؛ لما كان متحقّقاً مضمون الإتيانِ والوقوعِ ، وكلُّ آت قريبٌ ، { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } : ترجيةٌ لمن أذنب وأراد التوبة ، وهذا في كتاب اللَّه كثيرٌ ، وهو ٱقترانُ الوعيد بالوعدِ ؛ لطفاً من اللَّه سبحانه بعبادِهِ ، اللَّهم ٱجعلنا مِمَّنْ شملته رحْمَتُكَ وغُفْرانُكَ ، بجُودِكَ وإحسانِكَ ، ومِنْ كلام الشيخ الوليِّ العارفِ أبي الحسن الشَّاذِلِيِّ ( رحمه اللَّه ) قَالَ : من أراد ألاَّ يضره ذنْبٌ ، فليقل : ربِّ أعوذ بك من عذابِكَ يَوْمَ تبعث عبادَكَ ، وأعوذ بك مِنْ عاجل العذابِ ، ومِنْ سوء الحسابِ ، فإنك لسريعُ الحِسَاب ، وإنك لغفور رحيم ، رَبِّ إني ظلمت نفسي ظُلْماً كثيراً ، فٱغفرْ لي وتُبْ عليَّ لا إله إلا أنت ، سبحانك ، إني كنْتُ من الظالمين . انتهى ، نسأل اللَّه أنْ ينفع به ناظِرَهُ وأنْ يجعله لنا ذخراً ونوراً يسعَىٰ بين أيدينا يوم لقائه ، والحمدُ للَّه الَّذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ ، وصلى اللَّه علَىٰ سيدنا محمَّد وآله وصَحْبه وسلَّم تسليماً .