Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 23-26)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالَىٰ : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } . الفِتْنَةُ في كلام العرب لفظة مشتركة ، تقال بمعنى حُبِّ الشيء ، والإعجاب به ، وتقال بمعنى الاخْتِبَارِ . ومن قال : إن أَصْلَ الفتنة الاخْتِبَارُ من : فَتَنْتُ الذَّهَبَ في النَّارِ ، ثم يُسْتَعَارُ بعد ذلك في غَيْرِ ذلك ، فقد أَخْطَأَ ؛ لأن الاسْمَ لا يُحْكَمُ عليه بمعنى الاسْتِعَارَةِ حتى يقطع عليه باسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ في المَوْضِع الذي استعير له ، كقول ذي الرّمّةِ : [ الطويل ] @ وَلَفَّ الثُّرَيَّا فِي مُلاَءَتِهِ الفَجْرُ @@ ونحوه ، والفتنة لا يَسْتَحِيلُ أن تكون حَقِيقَةً في كل مَوْضِعٍ قيلت عليه ، وباقي الآية مضى تَفْسِيرُهُ عند قوله سُبْحَانَهُ : { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [ النساء : 42 ] فانظره هناك . قال * ع * : وعبر قَتَادَةُ عن الفِتْنَةِ هنا بأن قال : معذرتهم . وقال الضَّحَّاك : كلامهم . وقيل غير هذا مما هو في ضِمْنِ ما ذكرناه . وقوله سبحانه : { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } هذا خِطَابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم والنظر نَظَرُ القَلْبِ ، وقال : { كَذَّبُواْ } في أَمْرِ لم يَقَعْ ؛ إذ هي حِكَايَةٌ عن يوم القيامة ، فلا إشْكَالَ في اسْتِعْمَالِ المَاضِي فيها موضع المستقبل ، ويفيدنا استعمال الماضي تَحْقِيقاً في الفعل ، وإثْبَاتاً له ، وهذا مَهْيَعٌ في اللُّغَةَ . { وَضَلَّ عَنْهُم } معناه : ذَهَبَ افْتِرَاؤُهُمْ في الدنيا ، وكَذِبُهُمْ على اللَّه . وقوله سبحانه : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } الآية . « أكِنَّة » جمع : كنان ، وهو الغِطَاءُ { أَن يَفْقَهُوهُ } أي : يفهموه ، والوَقْرُ الثقل . وقوله سبحانه : { وإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } . الرؤية هنا رُؤْيَةُ العَيْنِ ، يريد كانشقاق القَمَرِ وشبهه . وقولهم : { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } إشارة إلى القرآن ، والأَسَاطِيرُ جمع أَسْطَار ، كأقوال وأقاويل ، وأسطار جمع سَطْر أوْ سَطَر . وقيل : أَسَاطِير جمع إسْطَارَة ، وهي التُّرَّهَاتُ . وقيل : جمع أُسْطُورة كَأُعْجُوبة ، وأُضْحُوكة . وقيل : هم اسم جَمْعٍ ، لا واحد له من لَفْظِهِ كعَبَادِيدَ وشَمَاطِيطَ ، والمعنى : إخبار الأولين وقصصهم وأحاديثهم التي تُسَطَّرُ ، وتُحْكَىٰ ، ولا تُحَقَّقُ كالتواريخ ، وإنما شَبَّهَهَا الكفار بأحاديث النَّضْرِ بن الحَارِثِ ، وعبد اللَّه بن أبي أُمَيَّة ، عن رستم ونحوه ، ومُجَادَلَة الكفار كانت مُرَادّتهم نُورَ اللَّهِ بأقوالهم المُبْطَلَةِ . { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } قال قتادة وغيره : المعنى : يَنْهَوْنَ عن القرآن . وقال ابن عباس وغيره : يَنْهَوْنَ عن النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى : ينهون غَيْرَهُمْ ، ويبعدون هم بأنفسهم ، والنَّأْيُ البُعْدُ . قال * ص * : { وَإِن يُهْلِكُونَ } : إن نافية بمعنى « ما » ، و { أَنفُسِهِمْ } مفعول بـ { يُهْلِكُونَ } انتهى . { وَمَا يَشْعُرُونَ } معناه : ما يَعْلَمُونَ عِلْمَ حسٍّ ، ونَفْيُ الشعور مذمَّةٌ بالغة ؛ إذ البهائم تشعر وتحسّ ، فإذا قلت : فلان لا يَشْعُرُ ، فقد نَفَيْتَ عنه العِلْمَ النفي العام الذي يقتضي أنه لا يَعْلَمُ ولا المَحْسُوسات .