Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 3-6)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } قاعدة الكلام في هذه الآية : أن حُلُولَ اللَّه في الأمَاكِنِ مُسْتَحِيلٌ ـــ تعالى ـــ أن يَحْوِيَهُ مكان ، كما تَقَدَّسَ أن يَحُدَّهُ زمان ، بل كان قبل أن خَلَقَ المكان والزمان ، وهو الآن على ما عليه كان . وإذا تَقَرَّرَ هذا ، فقالت فرقة من العلماء : تَأْوِيلُ ذلك على تقدير صِفَةٍ محذوفة من اللفظ ثَابِتَةٍ في المعنى ، كأنه قال : وهو اللَّه المَعْبُودُ في السموات ، وفي الأرض . وعبر بعضهم بأن قدر : وهو اللَّه المدبر للأمر في السموات والأرض . وقال الزَّجَّاجُ : { فِي } متعلقة بما تَضَمَّنَهُ اسْمُ اللَّه من المعاني ، كما يقال : أمير المؤمنين الخليفة في المَشْرِقِ والمغرب . قال * ع * : وهذا عِنْدِي أَفْضَلُ الأقوال ، وأكثرها إحرازاً لِفَصَاحَةِ اللفظ ، وجزالة المعنَىٰ . وإيضاحه : أنه أراد أن يَدُلَّ على خلقه ، وآثار قدرته ، وإحاطته ، واستيلائه ، ونحو هذه الصفات ، فجمع هذه كلها في قَوْلِهِ : { وَهُوَ ٱللَّهُ } أي : الذي له هذه كلها في السموات ، وفي الأرض ، كأنه قال : وهو اللَّه الخَالِقُ ، الرازق ، المحيـي ، المحيط في السموات وفي الأرض ، كما تقول : زيد السلطان في المَشْرِقِ والمغرب و « الشام » و « العراق » ، فلو قصدت ذَاتَ زَيْد لَقُلْتَ مُحَالاً ، وإذا كان مَقْصِدُ قولك الآمِرَ ، النَّاهِيَ ، الناقض ، المُبْرِمَ ، الذي يعزل ويُوَلِّي في المشرق والمغرب ، فأقمت السلطان مقام هذه ، كان فصيحاً صحيحاً ، فكذلك في الآية أقام لَفْظَةَ { ٱللَّهِ } مقام تلك الصِّفَاتِ المذكورة . وقالت فرقة : { وَهُوَ ٱللَّهُ } ابتداء وخَبَرٌ ، تم الكَلاَمُ عنده ، ثم استأنف ، وتعلق قوله : { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ } بمفعول { يَعْلَمْ } ، كأنه قال : وهو اللَّه يَعْلَم سِرَّكُمْ وجهركم في السموات ، وفي الأرض . وقوله تعالى : { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } خبر في ضمنه تَحْذِيرٌ وزَجْرٌ ، و { تَكْسِبُونَ } لفظ عام لجميع الاعْتِقَادَاتِ ، والأقوال ، والأفعال . وقوله سبحانه : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَـٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } تضمنت هذه الآية مَذَمَّةَ هؤلاء الذين يَعْدِلُونَ باللَّه سواه ، بأنهم يُعْرِضُونَ عن كل آية ، وكذبوا بالحق ، وهو محمد ـــ عليه السلام ـــ وما جاء به . قال * ص * : { مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَـٰتِ رَبِّهِمْ } « من » الأولى زَائِدَةٌ للاستغراق ، وما بعدها فاعل بقوله : { تَأْتِيَهُمُ } . و « من » الثانية للتبعيض انتهى . وقوله تعالى : { فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } هذا وَعِيدٌ لهم شديد ، وهذه العُقُوبَاتُ التي تُوُعِّدُوا بها تعمُّ عُقُوبَاتِ الدنيا كَبَدْرٍ وغيرها ، وعقوبات الآخرة . وقوله سبحانه : { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } هذا حَضٌّ على العِبْرَةِ ، والرؤية هنا رُؤْيَةُ القلب ، والقَرْنُ : الأمة المقترنة في مُدَّةٍ من الزمن . واختلف في مدة القَرْنِ كم هي ؟ فالأكثر على أنها مائة سَنَةٍ . وقيل غير هذا . وقيل : القَرْنُ الزمن نَفْسُهُ ، وهو على حَذْفِ مضاف ، تقديره : من أَهْلِ قرن . قال عياض في « الإكمال » : واختلف في لَفْظِ القَرْنِ ، وذكر الحربي فيه الاخْتِلاَفَ من عَشْرِ سنين إلى مائة وعشرين ، ثم قال يعني الحربي : وليس منه شيء وَاضِحٌ ، وأرى القرن كُلّ أمة هَلَكَتْ ، فلم يَبْقَ منها أحد . انتهى . والضمير في { مَّكَّنَّـٰهُمْ } عائد على القَرْنِ ، والمخاطبة في { لَكُمْ } هي للمؤمنين ، ولجميع المُعَاصِرِينَ لهم من سائر الناس ، و { ٱلسَّمَاء } هنا المَطَرُ ، و { مِّدْرَاراً } بناء تكثير ، ومعناه : يدرُّ عليهم بِحَسَبِ المنفعة . وقوله سبحانه : { وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخرِينَ } . { أَنشَأْنَا } : اخترعنا ، وخلقنا ، ويظهر من الآية أن القَرْنَ إنما هو وَفَاةُ الأَشْيَاخِ ، ثم وِلاَدَةُ الأطفال .