Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 60-64)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } ، يعني به : النَّوْمَ ، و { يَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم } ، أي : مَا كَسَبْتم بالنَّهار ، ويحتمل أنْ يكون { جَرَحْتُم } هنا من الجرح ؛ كأن الذنْبَ جرح في الدِّين ، والعربُ تقولُ : @ … وَجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ اليَدِ @@ و { يَبْعَثُكُمْ } : يريد به الإيقاظَ ، والضميرُ في { فِيهِ } عائدٌ على النهار ؛ قاله مجاهد وغيره ، ويحتملُ أنْ يعود الضمير على التوفِّي ، أي : يوقظُكُم في التوفِّي ، أي : في خلالِهِ وتضاعِيفِهِ ؛ قاله عبد اللَّه بن كَثير . و { لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى } : المراد به آجالُ بني آدمَ ، { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } ؛ يريدُ : بالبَعْثِ والنشورِ ، { ثُمَّ يُنَبِّئُكُم } ، أي : يُعْلِمُكُمْ إعلامَ توقيفٍ ، ومحاسبةٍ ، ففي هذه الآية إيضاحُ الآياتِ المنصوبةِ للنَّظَر ، وفيها ضَرْبُ مثالٍ للبعْثِ من القبور ؛ لأن هذا أيضاً إماتةٌ وبعْثٌ علَىٰ نَحوٍ مَّا . وقوله سبحانه : { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } : القاهرُ إنْ أُخِذَ صِفَةَ فِعْلٍ ، أي : مظهر القَهْر بالصواعقِ والرياحِ والعذابِ ، فيصحُّ أنْ تجعل { فَوْقَ } ظرفيةً للجهةِ ؛ لأن هذه الأشياء إنما تعاهَدَها العبادُ مِنْ فوقهم ، وإنْ أُخِذَ { ٱلْقَاهِرُ } صفَةَ ذَاتٍ ، بمعنى القُدْرة والاستيلاءِ ، فـ { فَوْقَ } : لا يجوزُ أنْ تكون للجهةِ ، وإنما هي لعلُوِّ القَدْر والشِّأن ؛ على حد ما تقولُ : اليَاقُوتُ فَوْقَ الحَدِيدِ ، والأحرارُ فَوْقَ العبيدِ ، و { يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ } : معناه : يَبُثُّهم فيكم ، وَ { حَفَظَةً } : جمع حَافِظٍ ، والمراد بذلكَ الملائكةُ الموكَّلون بكَتْبِ الأعمال ، ورُوِيَ أنهم الملائكةُ الَّذين قالَ فيهِمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " يَتَعاقَبُ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ " ؛ وقال السُّدِّيُّ وقتادة ، وقال بعْض المفسِّرين : حَفَظَةً يَحفظُونَ الإنسانَ مِنْ كلِّ شيءٍ ؛ حتى يأتي أجله ، والأول أظهر . وقرأ حمزةُ وحْده : « تَوَفَّاهُ » . وقوله تعالى : { رُسُلُنَا } : يريد به ؛ علَىٰ ما ذكر ابنُ عباس ، وجميعُ أهل التأويل : ملائكةً مقترنينَ بمَلَكِ المَوْت ، يعاونونه ويَأْتَمِرُونَ له ، { ثُمَّ رُدُّواْ } ، أي : العبادُ ، { إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلَـٰهُمُ } ، وقوله : { ٱلْحَقِّ } : نعْتٌ لـ { مَوْلَـٰهُمُ } ، ومعناه : الذي لَيْسَ بباطلٍ ، ولا مَجَاز ، { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } : كلامٌ مضمَّنه التنبيهُ ، وهَزُّ النفوسِ ، { وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ } : قيل لِعَليٍّ ( رضي اللَّه عنه ) : كَيْفَ يُحَاسِبُ اللَّهُ العِبَادَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ؟ ! قَالَ : كَمَا يَرْزُقُهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ . وقوله تعالى : { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً … } الآية : هذا تَمَادٍ في توبيخِ العادِلِينَ باللَّه الأوثانَ ، وتركِهِمْ عبادَةَ الرَّحْمَنِ الذي يُنْجِي من الهَلَكَاتِ ، ويُلْجَأُ إلَيْه في الشَّدَائد ، ودَفْعِ الملمَّاتِ ، و { ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } : يريدُ بها شدائِدَهُما ، فهو لفظٌ عامٌّ يستغرقُ ما كان مِنَ الشدائدِ ؛ بظلمةٍ حقيقيةٍ ، وما كان بغَيْر ظلمةٍ ، والعَرَبُ تقول : عَامٌ أَسْوَدُ ، ويَوْمٌ مُظْلِمٌ ، ويَوْمٌ ذو كواكِبَ ، يريدُونَ به الشِّدَّة ، قال قتادة وغيره : المعنَىٰ : مِنْ كَرْبِ البَرِّ والبَحْرِ ، وتَدْعُونَهُ : في موضعِ الحالِ ، والتَّضَرُّعُ : صفَةٌ باديةٌ على الإنسانِ ، وخُفْيَة : معناه : الاختفاء ، وقرأ عاصمٌ في رواية أبي بَكْر : « وخِفْيةَ » ـــ بكسر الخاء ـــ ، وقرأ الأعمشُ : « وخِيفَةً » ؛ من الخَوْف . وقوله سبحانه : { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا … } الآية : سبق في المُجَادَلة إلى الجَوَابِ ؛ إذْ لا محيدَ عنْه ، { وَمِن كُلِّ كَرْبٍ } : لفظٌ عامٌّ أيضاً ، ليتَّضِحَ العُمُومُ الذي في « الظلماتِ » ، { ثُمَّ أَنتُمْ } ، أي : ثم بَعْدَ معرفتكم بهذا كلِّه ، وتحَقُّقِكُمْ له ، أنْتُمْ تُشْرِكُونَ .