Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 58-59)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } : المعنَىٰ : لو كان عندي الآياتُ المُقْتَرَحةُ ، أو العذابُ ؛ علَى التأويل الآخر ، لقُضِيَ الأمر ، أي : لَوَقَع الٱنفصالُ ، وتَمَّ النزاعُ ؛ لظهور الآية المُقْتَرَحَةِ ، أو لِنزولِ العذابِ ؛ بحسب التأْويلَيْنِ ، وقِيلَ : المعنَىٰ : لَقَامَتِ القيامةُ ، وقوله : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ } : يتضمَّن الوعيدَ والتَّهْديدَ . وقوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ } : مفَاتِحُ : جَمْعُ مَفْتَحٍ ، وهذه ٱستعارةٌ ؛ عبارةً عن التوصُّل إلى الغيوب ؛ كما يَتوصَّل في الشاهِدِ بالمِفْتَاحِ إلى المُغَيَّب ، ولو كان جَمْعَ « مِفْتَاحٍ » ، لقال : مَفَاتِيح ، ويظهرُ أيضاً أنَّ « مَفَاتِح » جمْعُ « مَفْتَح » ـــ بفتح الميم ـــ ، أي : مواضِعِ تَفْتَحُ عن المغيَّبات ؛ ويؤيِّد هذا قَوْلُ السُّدِّيِّ وغيره : { مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } : خزائِنُ الغَيْب ، فأما مِفْتَح ـــ بالكسر ـــ ، فهو بمعنى مِفْتَاح ، قال الزَّهْرَاوِيُّ : وَمِفْتَحٌ أفصحُ ، وقال ابنُ عَبَّاسٍ وغيره : الإشارةُ بِمَفَاتِحِ الغَيْبِ هي إلى الخَمْسة في آخر لُقْمَان : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ … } [ لقمان : 34 ] الآية ، قلت : وفي « صحيحِ البخاريِّ » ، عن سالمِ بنِ عبد اللَّهِ ، عَنْ أبيه ؛ أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ : " مَفَاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إلاَّ اللَّهُ : { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان : 34 ] " انتهى . وقوله سبحانه : { مِن وَرَقَةٍ } ، أي : من وَرَقِ النَّبَاتِ ، { وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَـٰتِ ٱلأَرْضِ } ، يريدُ : في أشدِّ حالِ التَّغَيُّبِ ، وحكَىٰ بعضُ النَّاسِ عن جَعْفَرِ بنِ محمَّد قولاً : أنَّ الورقَةَ يُرَادُ بها السِّقْطُ مِنْ أولادِ بني آدم ، والحَبَّة : يرادُ بها الذي لَيْسَ بِسِقْطٍ ، والرَّطْب يرادُ به الحَيُّ ، واليابسُ يراد به المَيِّت ، وهذا قولٌ جارٍ علَىٰ طريقةِ الرُّمُوز ، ولا يصحُّ عن جعفر بن محمَّد ، ولا ينبغي أن يُلْتَفَتَ إلَيْه . وقوله تعالى : { إِلاَّ فِي كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } ، قيل : يعني كتاباً على الحقيقةِ ، ووجْهُ الفائدة فيه ٱمتحانُ ما يكتبه الحَفَظَةُ ، وذلك أنَّه رُوِيَ أنَّ الحَفَظَةَ يرفَعُونَ مَا كَتَبُوهُ ، ويُعَارِضُونَهُ بهذا الكِتَابِ المُشَارِ إلَيْه ؛ ليتحقَّقوا صِحَّة ما كتبوه ، وقيل : المراد بقوله : { إِلاَّ فِي كِتَـٰبٍ } : عِلْمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ المحيطِ بكلِّ شيءٍ . قال الفَخْرُ : وهذا هو الأصْوَبُ ، ويجوزُ أنْ يقالَ : ذَكر تعالَىٰ ما ذَكَر مِنَ الوَرَقَةِ وَالحَبَّة ؛ تنبيهاً للمكلَّفين علَىٰ أمر الحساب . انتهى . قال مَكِّيٌّ : قالَ عبْدُ اللَّه بْنُ الحارِثِ : ما في الأرْض شَجَرٌ ، ولا مَغْرَزُ إبرةٍ إلاَّ علَيْها مَلَكٌ ، موكَّل ، يأتي اللَّه بعلْمها بيَبَسِها إذا يَبِسَتْ ، ورُطُوبَتِها إذا رَطِبَتْ . وقيل : المعنَىٰ في كَتْبِها ؛ أنه لتعظيمِ الأمرِ ، ومعناه : اعلموا أنَّ هذا الذي لَيْسَ فيه ثوابٌ ولا عقابٌ ــــ مكتوبٌ ؛ فكيف ما فِيهِ ثوابٌ أو عقابٌ . انتهى من « الهداية » .