Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 68-69)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالَىٰ : { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي ءَايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } : هذا خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون داخلُونَ في الخطاب معه ، هذا هو الصحيحُ ؛ لأنَّ علَّة النهْي ، وهي سماعُ الخَوْض في آياتِ اللَّه ، تَشْمَلُهُمْ وإيَّاه ، فأُمِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو والمؤمنون أنْ ينابذُوا الكُفَّار بالقيام عنهم ، إذا استهزءوا وخاضوا ؛ ليتأدَّبوا بذلك ، ويدَعُوا الخَوْضَ والاستهزاءَ ، قلْتُ : ويدلُّ علَىٰ دخولِ المؤمنينَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الخطابِ ـــ قولُهُ تعالَىٰ : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [ النساء : 140 ] . انتهى . والخَوْضُ : أصله في الماءِ ، ثم يستعملُ بعدُ في غمرات الأشياء التي هي مجاهلُ ؛ تشبيهاً بغَمَرَات الماء . { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ } : « إما » : شرط ، وتلزمها النونُ الثقيلة في الأغلب ، وقرأ ابن عامر وحده : « يُنَسِّيَنَّكَ » ـــ بتشديدِ السينِ ، وفتحِ النونِ ـــ ، والمعنى واحدٌ إلا أن التشديد أكثر مبالغةً ، و { ٱلذِّكْرَىٰ } والذِّكْر واحدٌ في المعنَىٰ ، ووصْفُهم بـ { ٱلْظَّـٰلِمِينَ } متمكِّن ؛ لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه ، و { أَعْرِضْ } ؛ في هذه الآية : بمعنى المفارقة على حقيقة الإعراض ، وأكملِ وجوهه ؛ ويدُلُّ على ذلك : { فَلاَ تَقْعُدْ } . وقوله سبحانه : { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء } ، وروي أنه لما نزلَتْ : { فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ } [ النساء : 140 ] قال المؤمنون إذا كنا لا نقْرَبُ المشركين ، ولا نسمع أقوالهم ، فلا يمكننا طَوَافٌ ولا قضاءُ عبادةٍ في الحرمِ ، فنزلَتْ لذلك : { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ … } الآية . قال * ع * : فالإباحة في هذا هي في القَدْر الذي يحتاجُ إلَيْه من التصرُّف بَيْن المشركين في عبادةٍ ونحوها ، وقيل : إن هذه الآية الأخيرةَ ليْسَتْ إباحة بوجه ، وإنما معناها : لا تَقْعُدوا معهم ، ولا تَقْرَبوهم حتَّىٰ تسمعوا ٱستهزاءهم وخوضهم ، وليس نهيكم عن القعود ؛ لأنَّ عليكم شيئاً من حسابهم ، وإنما هو ذكرَىٰ لكم ، ويحتملُ المعنَىٰ : ولكنْ ذكرَىٰ لعلَّهم إذا جانبتموهم ، يتقون بالإمساكِ عن الاستهزاءِ ، ويحتملُ المعنَىٰ : ولكن ذكِّروهم ذكرَىٰ ، وينبغي للمؤمن أنْ يمتثل حكم هذه الآية مع المُلْحِدِين ، وأهْلِ الجدلِ والخَوْضِ فيه ، وحكى الطبريُّ ، عن أبي جعفر ؛ أنه قال : « لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ الخُصُومَاتِ ؛ فإنَّهُمْ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ » ، وفي الحديث ، عنه صلى الله عليه وسلم : " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ ؛ وَإنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ ؛ وإنْ كَانَ مَازِحاً ، وبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقه " ، خَرَّجه أبو داود . انتهى من « الكوكب الدري » ، وقد ذكرنا هذا الحديثَ من غير طريقِ أبي داود بلفظ أوضَحَ من هذا .