Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 70-73)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَذَرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً } : هذا أمر بالمتاركة ، وكان ذلك بحَسَب قلَّة المسلمين يومَئِذٍ ، قال قتادة : ثم نُسِخَ ذلك ، وما جَرَىٰ مجراه بالقتَالِ ، وقال مجاهد : الآيةُ إنما هي للتهديدِ والوعيدِ ، فهي كقوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } [ المدثر : 11 ] ، وليس فيها نَسْخٌ ؛ لأنها متضمنة خبراً ، وهو التهديدُ ، { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } ، أيْ : خدعتهم من الغُرُور ، وهو الأطماعُ بما لا يتحصَّل فٱغترُّوا بنعم اللَّه وإمهاله ، وطَمَعُهُمْ ذلك فيما لم يتحصَّل من رحمته ، وٱعْلَمْ أنَّ أعقلَ العقلاء مؤمنٌ مقبِلٌ على آخرته قد جَعَلَ الموْتَ نُصْبَ عينيه ، ولم يغترَّ بزخارف الدنيا ؛ كما ٱغترَّ بها الحمقَىٰ ، بل جعل همَّهُ واحداً ؛ هَمَّ المعادِ وما هو صائرٌ إليه ؛ وقد روى البَزَّار في مسنده ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّهُ قَالَ : " مَنْ جَعَلَ الهُمُومَ هَمًّا وَاحِداً ؛ هَمَّ المَعَادِ ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الهُمُومُ ؛ هُمُومُ الدُّنْيَا ، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ تَعَالَىٰ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ " انتهى من « الكوكب الدريِّ » . وقوله سبحانه : { وَذَكِّرْ بِهِ } : أي بالقرآن ، وقيل : الضمير في { بِهِ } به عائدٌ على الدِّين ، و { أَن تُبْسَلَ } في موضع المفعولِ له ، أي : لَئِلاَّ تُبْسَلَ ، ومعناه : تُسْلَمَ ؛ قاله الحسن وعكرمة وقال قتادةُ : تُحْبَسَ وتُرْهَنْ ، وقال ابن عبَّاس : تُفْضَح ، وقال ابن زيد : تُجْزَىٰ ، وهذه كلُّها متقاربةُ المعنَىٰ ؛ ومنه قول الشَّنْفَرَىٰ : [ الطويل ] @ هُنَالِكَ لاَ أَرْجُو حَيَاةً تَسُرُّنِي سَمِيرَ اللَّيَالِي مُبْسَلاً بِالْجَرَائِرِ @@ وباقي الآية بيِّن . { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ } ، أي : وإن تعط كلَّ فدية ، وإنْ عظُمت ، فتجعلها عِدْلاً لها ، لا يُقْبَل منها ، وقال أبو عُبَيْدة : { وَإِن تَعْدِلْ } ، هو من العَدْلِ المضادِّ للجور ؛ وردَّه الطبريُّ بالإجماع على أنَّ توبة الكافر مقبولةً . قال * ع * : ولا يلزم هذا الردُّ ، لأنَّ الأمر إنما هو يوم القيامة ، ولا تقبلُ فيه توبة ، ولا عملٌ . قلْتُ : وأجلَىٰ من هذا أنْ يحمل كلامُ أبي عُبَيْدة علَىٰ معنى أنَّه لا يقبلُ منها عدلُها ؛ لاختلال شَرْطه ، وهو الإيمانُ ، و { أُبْسِلُواْ } : معناه : أُسْلِمُوا بما ٱجترحوه من الكُفْر ، والحميمُ : الماءُ الحارُّ ؛ ومنه : الحَمَّام ، والحَمَّة . وقوله سبحانه : { قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } ، المعنى : قل في ٱحتجاجِكَ : أنطيع رأيكم في أنْ ندعو من دون اللَّه ، والدعاءُ : يعم العبادة وغيرها ؛ لأن مَنْ جعل شيئاً موضعَ دعائه ، فإياه يَعْبُدُ ، وعليه يتوكَّل ، و { مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } : يعني : الأصنام ، { وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِنَا } : تشبيهٌ بمَشْيِ القهقَرىٰ ، وهي المِشْية الدنيَّة ؛ فٱستعمل المَثَل بها فيمَنْ رجَعَ مِنْ خيرٍ إلى شَرٍّ . وقوله سبحانه : { كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَـٰطِينُ } في الكلام حذفٌ ، تقديره : ردًّا كَرَدِّ الذي ، و { ٱسْتَهْوَتْهُ } : بمعنى : ٱستدعَتْ هواه وأمالته ، و { هَدَانَا } : بمعنى : أرشَدَنَا ، فسياقُ هذا المثل كأنه قال : أيَصْلُحُ أن نكون بعد الهدَىٰ نعبد الأصنام ؛ فيكون ذلك منَّا ٱرتداداً على العَقِبِ ؛ فنكون كَرَجُلٍ على طريق واضحٍ ، فٱستهوته عنه الشياطينُ ، فخرج عنه إلى دعوتهم ، فبقي حائراً . وقوله : { لَهُ أَصْحَـٰبٌ } : يريد : له أصحابٌ على الطريق الذي خَرَجَ منه ، فيشبَّه بالأصحاب على هذا المؤمنون الذين يَدْعُونَ مَن ٱرتدَّ إلى الرجوع إلى الهدَىٰ ، وهذا تأويلُ مجاهد وابن عباسٍ ، و { ٱئْتِنَا } من الإِتيان ، بمعنى المجِيءِ ، وقول من قال : إِن المراد بـ { ٱلَّذِي } ؛ في هذه الآية : عبدُ الرحمنِ بْنُ أبي بَكْرٍ : وبالأصحاب : أبواه ـــ قول ضعيفٌ ؛ يردُّه قول عائشة في الصحيحِ : « مَا نَزَلَ فِينَا مِنَ القُرآنِ شَيْءٌ إلاَّ بَرَاءَتِي » ، قلتُ : تريد وقصَّة الغارِ ؛ { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ } [ التوبة : 40 ] ، وقوله : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ … } [ النور : 22 ] ؛ إذ نزلَتْ في شأن أبي بكر ، وشأن مِسْطَحٍ . قال * ع * : حدثني أبي ( رضي اللَّه عنه ) قال : سمعْتُ الفقيه الإمام أبا عبد اللَّه المعروفَ بالنحْويِّ المجاوِرِ بمكَّة ، يقول : مَنْ نازع أحداً من المُلْحِدِينَ ، فإنما ينبغي أن يردَّ عليه بالقرآن والحديث ؛ فيكونُ كَمَنْ يدعو إلى الهدَىٰ بقوله : { ٱئْتِنَا } ، ومَنْ ينازعهم بالجَدَل ، ويحلِّق عليهم به ، فكأنه بَعُدَ من الطريق الواضح أكْثَرَ ، ليردَّ هذا الزائغَ ، فهو يخافُ علَيْه أنْ يضلَّ . قال * ع * : وهذال انتزاعٌ حسنٌ جدًّا ، وباقي الآية بيِّن . وقوله سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } ، أي : لم يخلقْها باطلاً لغير معنًى ، بل لمعانٍ مفيدةٍ ، وحقائقَ بيِّنة . وقوله سبحانه : { وَيَوْمَ يَقُولُ } « يوم » : نصب على الظرْفِ ، وتقديرُ الكلامِ : وٱذكرِ الخَلْق والإعادة يَوْمَ ، وتحتمل الآية مع هذا أنْ يكون معناها ، وٱذكر الإعادة يَوْمَ يقولُ اللَّه للأجساد : كوني معادةً . وقوله تعالى : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّوَرِ } ، الجمهورُ أنَّ الصُّورَ هو القَرْن الذي قال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّهُ يُنْفَخُ فِيهِ لِلصَّعْقِ ثُمَّ لِلْبَعْثِ " ، وباقي الآية بيِّن .