Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } قد تقدَّمَ تفسيرُه ، واخْتُلِفَ في السببِ الذي نزلتْ فيه : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } فقال ابن عباس وغيره : نزلتْ بسببِ قَوْمٍ قالوا : لَوْ عَلِمْنَا أَحَبَّ العَمَلِ إلى اللَّهِ تعالى لسَارَعْنَا إليه ، ففرضَ اللَّهُ الجهادَ وأعلَمَهُمْ بفَضْلِه ؛ وأَنَّهُ يُحِبُّ المقَاتِلينَ في سبيله كالبنيانِ المَرْصُوصِ ، فَكَرِهَهُ قَوْمٌ منهم ، وفَرُّوا يومَ الغزوِ فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ تعالى بهذه الآية ، وقال قتادة والضحاك : نزلتْ بسببِ جماعةٍ من شبابِ المسلمينَ كانوا يَتَحَدَّثُونَ عن أنفسِهم في الغزو بما لم يفعلوا ، قال * ع * : وحُكْمُ هذهِ الآيةِ بَاقٍ غَابِرَ الدهرِ ، وكلَّ مَنْ يقولُ ما لا يفعلُ فهو مَمْقُوتُ الكلامِ ، والقولُ الأولُ يَتَرَجَّح بِمَا يأتي [ من أمْرِ ] الجهادِ والقتالِ ، والمقتُ البغضُ ، مِن أجل ذنبٍ ، أو رِيبَةٍ ، أو دَنَاءَةٍ يَصْنَعُها الممقوتُ ، وقول المرءِ مَا لا يفعلُ مُوجِبٌ مَقْتَ اللَّهِ تعالى ، ولذلك فرَّ كثيرٌ من العلماءِ عَنِ الوَعْظِ والتذكيرِ وآثرُوا السكوتَ ، * قلت * : وهَذا بحسَبِ فِقْهِ الحالِ ؛ إنْ وَجَدَ الإنْسانُ مَنْ يكفِيه هذه المَؤُنَةَ في وقتهِ ، فَقَدْ يَسَعُه السكوتُ وإلا فَلاَ يسعُه ، قال الباجي في « سنن الصالحين » له : قال الأصمعي : بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الحكماءِ كَانَ يقول : إني لأَعظكُم وإنّي لَكَثيرُ الذنوبِ ، وَلَوْ أن أحَداً لاَ يَعِظُ أخاه حَتَّى يُحْكِمَ أَمْرَ نَفْسِهِ لتُرِكَ الأَمْرُ بالخيرِ ، واقْتُصِرَ عَلى الشَّرِّ ، ولكنَّ محادثةَ الإخوانِ حياةُ القلوبِ وجَلاَء النُّفُوسِ وتَذْكِيرٌ مِنَ النسيانِ ، وقال أبو حازم : إني لأعظ الناسَ وما أنا بموضعٍ للوَعْظِ ، ولكنْ أريدُ به نَفْسِي ، وقَالَ الحسنُ لمطرف : عِظْ أصْحَابَكَ ، فَقَالَ : إنِّي أخافُ أنْ أقولَ ما لا أفعل فقالَ : رحمك اللَّه ؛ وأيُّنَا يَفْعَلُ ما يقول ، وَدَّ الشيطانُ أنه لَو ظَفَرَ منكم بهذهِ فَلَمْ يأمُرْ أحدٌ منكم بمعروفٍ ، وَلَمْ يَنْهَ عن منكر ، انتهى .