Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَٰأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَاءَ } أي : إذا أرَدْتُم طلاقَهُنَّ ؛ قاله الثعلبيّ وغيره : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وطَلاَقُ النساء حَلُّ عِصْمَتِهِنَّ ، وصورَةُ ذلك وتَنْويعِه مِما لا يَخْتَصُّ بالتفسيرِ ، ومعنى { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي : لاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِن ، وعبارةُ الثعلبيِّ : أي : لِطُهْرِهِنَّ الذي يُحْصِينَه مِنْ عِدَّتِهِنَّ ، وهُو طُهْرٌ لَمْ يجامعْهَا فيه ، انتهى ، قال * ع * : ومعنى الآيةِ أنْ لاَ يُطَلِّقَ أحَدٌ امرأتَه إلا في طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّها فِيهِ ، وهَذَا على مَذْهَبِ مالكٍ ومن قال بقوله ؛ القائلينَ بأن الأَقْرَاءَ عندَهم هي الأطْهَارُ ، فَيُطَلِّقُ عَنْدَهم المُطَلِّقُ في طُهْرٍ لم يمسَّ فيه ، وتَعْتَدُّ به المرأةُ ، ثم تَحِيضُ حَيْضَتَيْنِ تَعْتَدّ بالطهْرِ الذي بَيْنَهُمَا ثُمَّ تُقِيمُ في الطُّهْرِ الثَّالِثِ مُعَتَدَّةً بِهِ ، فإذا رأت أوّلَ الحَيْضَةِ الثالثةِ حَلَّتْ ، وَمَنْ قَالَ بأنَّ الأَقْرَاءَ : الحَيْضُ وَهُمْ العِرَاقِيُّونَ ، قَالَ : { لِعِدَّتِهِنَّ } مَعْنَاهُ أنْ تُطَلَّقَ طَاهِراً فَتَسْتَقْبِلُ بِثَلاَثِ حَيْضٍ كَوامِلٌ فإذَا رَأَتْ الطُّهْرَ بَعْدَ الثالثة ، حَلَّتْ ، والأَصْلُ في مَنْعَ طَلاَقِ الحَائِضِ حَدِيثِ ابنِ عمرَ ، ثم أمر تَعَالى بإحْصَاء العِدَّةِ لِمَا يَلْحَقُ ذلك من أحكام الرَّجْعَةِ والسُّكْنَى ، والميراثِ ، وغيرُ ذلك ، وعبارة الثعلبي : { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } أي : احْفَظُوا عَدَدَ قُرُوئِها الثلاثةِ وَنَحْوَه تفسيرُ ابن العربيّ ؛ قال : قوله تعالى : { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } معْنَاهُ احْفَظُوا الوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيه الطَّلاَقُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذلكَ من الأحكامِ ، انتهى من « أحكامه » ، ثم أخبرَ تعالى بأنهنّ أحَقُّ بسكنى بيوتِهن التي طُلِّقْنَ فيها فَنَهَى سبحانَه عن إخراجِهنَّ وعَنْ خُروجِهنّ ، وسنةُ ذلك ألا تَبِيتَ عَن بيتِها ولا تَغِيبَ عنهُ نهاراً إلا في ضرورةٍ ومَا لا خَطْبَ لَه من جائِز التصرُّفِ ، وذلك لحفظِ النَّسَبِ والتحرُّزِ بالنسَاء ، واختُلِفَ في معنى قوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } فقال الحسن وغيره : ذلك الزِّنَا فَيُخْرَجْنَ للحَدِّ ، وقال ابن عباس : ذلك البَذَاءُ عَلَى الأَحْمَاءِ ، فَتَخْرُجَ ويَسْقُطَ حَقُّها مِنَ المسكنِ ، وتلزم الإقامَة في مسكنٍ تَتَّخِذُه حفظاً للنسبِ ، وفي مصحف أبَيٍّ « إلا أنْ يَفْحُشْنَ عَلَيْكُمْ » وعبارةُ الثعلبيّ : عن ابن عباسٍ : « إلا أنْ تَبْذُوَ عَلَى أهْلِهَا فَيَحِلُّ لَهُمْ إخْرَاجُهَا » ، انتهى ، وهو معنى ما تقدم ، وقرأ الجمهور : « مُبَيِّنَة » ـــ بكسر الياءِ ـــ ، تقول بَانَ الشيءُ وَبَيَّنَ بمعنًى واحدٍ إلا أن التضعيفَ للمبَالَغَةِ ، وقرأ عاصم : « مُبَيَّنة » ـــ بفتح الياءِ ـــ . وقوله سبحانه : { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } إشارَةٌ إلى جميع أوامِرِه في هذه الآيةِ . وقوله تعالى : { لا تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } قال قتادة وغيره : يريد به الرَّجْعَةَ ، أي : أحْصُوا العدةَ وامْتَثِلُوا مَا أُمِرْتُمْ به تَجِدُوا المُخَلِّصَ إن ندمتم ؛ فإنكم لا تدرونَ لعلّ الرَّجْعَةَ تكونُ بَعْدُ . وقوله تعالى : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } يريدُ به آخر القروء ، { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وهُو حُسْنُ العِشْرَةِ ، { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [ وهُو ] أداء جَميعِ الحقوقِ ، والوَفاءُ بالشُّروطِ حَسَبَ نَازِلَةٍ نَازِلَةٍ ، وعبارة الثعلبي : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي : أشْرَفْنَ على انْقِضَاء عدتهن ، انتهى وهو حسن . وقوله تعالى : { وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مِّنْكُمْ } يريدُ : على الرَّجْعَةِ وذلك شَرْطٌ في صحة الرَّجْعَةِ ، وتَمْنَعُ المرأةُ الزَّوْجَ مِنْ نَفْسِهَا حَتّى يُشْهِدَ ، وقال ابن عباس : عَلَى الرَّجْعَةِ والطلاقِ مَعَاً ، قال النخعي : العَدْلُ مَنْ لم تظهرْ منه رِيبة ، والعدلُ حَقِيقَة الذي لا يخاف إلا اللَّهَ . وقوله سبحانه : { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ لِلَّهِ } أمْرٌ للشهودِ . وقوله : { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ } إشارةٌ إلى إقامة الشهادةِ ؛ وذلك أنّ فُصُولَ الأَحْكَامِ تدور على إقامة الشهادةِ . وقوله سبحانه : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } قال بعض رواة الآثار ، " نزلتْ هذه الآيةُ في عَوْفِ بن مالك الأشجعي ؛ أُسِرَ ولدُه وقُدِرَ عليه رزقُه ، فَشَكَا ذلكَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فَأَمَرَه بالتَّقْوَى ، فلم يلبثْ أن تَفَلَّتَ ولدُه وأخَذَ قطيعَ غَنَمٍ للقومِ الذين أسَرُوه ، فَسَأَلَ عَوْف النبيَّ صلى الله عليه وسلم : أتَطِيبُ لَهُ تِلْكَ الغَنَمُ ؟ فقال : نَعَمْ ، قال أبو عمر بن عبد البر : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم « أبى اللَّهُ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ أنْ يَجْعَلَ أرْزَاقَ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ إلاَّ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُونَ » " وقال ـــ عليه السلام ـــ لابن مسعود : " لاَ يَكْثَرْ هَمُّكَ ، يَا عَبْدَ اللَّهِ ؛ مَا يُقَدَّرْ يَكُنْ وَمَا تُرْزَقْ يأتِيكَ " ، وعنه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ " اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بالصَّدَقَة " ، انتهى من كتابه المسمى بـ « بهجة المجالس وأنس المجالس » . وقوله تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } هذهِ الآياتُ كلُّها عِظةٌ لجميعِ الناسِ ، ومعنى حَسْبُهُ : كَافِيهِ . وقال ابن مسعود : هذه أكْثَرَ الآيات حَضًّا على التفويضِ للَّه . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ } بَيَانٌ ، وَحَضٌّ عَلى التوكلِ ، أي : لا بُدَّ مِنْ نفوذِ أمرِ اللَّهِ ؛ توكلتَ أيُّهَا المرءُ أوْ لَمْ تَتَوَكَّلْ ؛ قاله مسروق ؛ فإنْ توكلتَ على اللَّهِ كَفَاكَ وَتَعَجَّلَتِ الراحةُ والبَرَكةُ ، وإن لم تتوكَّلْ وَكَلَكَ إلى عَجْزِكَ وَتَسَخَّطَكَ ، وأمرُه سبحانَه في الوجهين نَافِذٌ .