Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 18-29)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } خطابٌ لجميعِ العَالَمِ ، وفي الحديثِ الصحيحِ : " يُعْرَضُ النَّاسُ ثَلاَثَ عَرْضَاتٍ ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ ؛ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ ، فَعِنْدَهَا تَتَطَايَرُ الصُّحُفُ في الأَيْدِي ، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ ، وآخِذٌ بِشِمَالِهِ " ، قال الغَزَّالِيُّ : يَجِبُ على كُلِّ مُسْلِمٍ البِدَارُ ، إلى مُحَاسَبَةِ نفسِه ؛ كما قال عمرُ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ : حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا ، وإنَّمَا حِسَابُهُ لِنَفْسِهِ ، أَنْ يَتُوبَ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ قَبْلَ المَوْتِ تَوْبَةً نَصُوحاً ، وَيَتَدَارَكَ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ تَقْصِيرٍ في فَرَائِضِ اللَّهِ ـــ عَزَّ وَجَلَّ ـــ ويردَّ المظالمَ حَبَّةً حَبَّةً ، ويستحلَّ كلَّ مَنْ تَعَرَّضَ له بلسانِه ويدِه ، وسوء ظِنّه بقلبِه ، ويُطَيِّبَ قلوبَهم حتى يموتَ ، ولم يَبْقَ عليه فريضةٌ ولاَ مظلمةٌ ، فَهَذَا يدخلُ الجنةَ بغيرِ حِسَابٍ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى ، انتهى من آخِر « الإحياء » ، ونَقَلَ القرطبيُّ في « تذكرَتِه » هذه الألفاظَ بعينها . وقوله : { هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } معناه تَعَالُوا ، وقَوْله : { ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } هُو استبشارٌ وسرورٌ * ص * : { هَاؤُمُ } « ها » بمعنَى خُذْ ، قَالَ الكسائي : والعربُ تقول : هَاءِ يَا رَجُلُ ، وللاثنين ؛ رجلين أو امرأتين : هَاؤُمَا ، وللرجال : هَاؤُمْ ، وللمرأَةِ : هَاءِ بهمزة مكسورة من غير ياء ، وللنساء : هَاؤُنَّ ، وزعم القُتَبِيُّ أَنَّ الهمزةَ بَدَلٌ من الكافِ ، وهو ضعيفٌ ، إلا أنْ يعني أنها تحلُّ محلَّها في لغةِ مَنْ قال : هَاكَ وهَاكِ ، وهَاكُمَا وهَاكُمْ وَهَاكُنَّ ، فذلكَ مُمْكِنٌ ، لا أَنَّه بَدَلٌ صناعيٌّ ؛ لأَنّ الكافَ لاَ تُبْدَلُ من الهمزةِ ولا الهمزةُ منها . انتهى . وقوله : { إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ } عبارةٌ عن إيمانِه بالبعثِ وغيرهِ ، و { ظَنَنتُ } هنا واقَعةٌ موقع : تَيَقَّنْتُ ، وهي في مُتَيَقَّنٍ لم يقعْ بَعْدُ ولا خرج إلى الحسِّ ، وهذا هُو باب الظنِّ الذي يوقع موقعَ اليقين ، و { رَّاضِيَةٍ } بمعنى مَرْضِيَّة ، والقُطُوفُ : جمع قَطْفٍ وهو ما يُجْتَنَى من الثمارِ ، ويقطفُ ، ودنوُّها هُوَ أَنهَا تأتي طَوْعَ التَّمَنِّي فيأكلُها القائِمُ والقاعدُ والمضطجعُ بفِيه من شجرتها ، و { بِمَا أَسْلَفْتُمْ } معناه بِمَا قَدَّمْتُمْ من الأَعْمَالِ الصالحةِ ، و { ٱلاْيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } هي أيام الدنيا : لأنها في الآخرة قَدْ خَلَتْ وذَهَبَتْ ، وقال وكيع وغيره : المرادُ بـ « ما أسلفتم » من الصوم ، وعموم الآية في كل الأعمال أوْلى وأحسن ، * ت * : ويدلُّ على ذلك الآيةُ الأخرى { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ المرسلات : 43 ] قال ابن المبارك في « رقائقه » : أخبرنا مالك بن مغول أنّه بلغَه أنّ عمر بن الخطاب ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال : حَاسِبُوا أنفُسَكم قبل أن تحاسَبُوا ؛ فإنَّه أهْونُ أو أيْسَرُ لحسابِكم ، وزنوا أنفسَكم قبل أن تُوزَنُوا ، وتجهَّزُوا للعرْضِ الأَكْبَرِ { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } قال ابن المبارك : أخبرنا معمر عن يحيى بن المختارِ ، عن الحسن قال : إن المؤمِنَ قَوَّامٌ على نفسه ، يحاسبُ نفسَه للَّه ، وإنما خَفَّ الحسابُ يوم القيامة عَلَى قومٍ حَاسَبُوا أنفسهم في الدنيا ، وإنَّما شَقَّ الحسابُ يومَ القيامةِ على قومٍ أَخَذُوا هذا الأَمْرَ عن غير محاسبةٍ ، انتهى ، والذينَ يُؤتَوْنَ كتبَهم بشمائِلهم هم المخلَّدُونَ في النارِ أهلُ الكفرِ ، فيتمنَّوْن أن لو كانوا مَعْدُومِينَ . وقوله : { يَٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } إشارةٌ إلى مؤنَةِ الدنيا ، أي : ليتها لم يكن بعدها رجُوع ، * ص * : { مَا أَغْنَىٰ } « ما » نافيةٌ أو استفهاميةٌ انتهى ، والسلطانُ في الآيةِ الحجةُ ، وقيل : إنه يَنْطِقُ بذلكَ مُلُوكُ الدنيا ، والظاهر أنَّ سلطانَ كلِّ أحَدٍ حَالُه في الدنيا من عَدَدٍ وعُدَدٍ ، ومنْه قوله صلى الله عليه وسلم " لاَ يُؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ ، وَلاَ يَجْلِسُ عَلَىٰ تَكْرِمَتِهِ إلاَّ بِإذْنِهِ " .