Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 5-17)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } قال قتادة : معناه : بالصَّيْحَةِ التي خَرَجَتْ عن حدِّ كل صيحةٍ ، وقيل : المعنى بسَبَبِ الفِئَةِ الطاغيةِ ، وقيل : بسببِ الفعلة الطاغية ، وقال ابن زيد ما معناه : الطاغيةُ مصدرٌ كالعَاقِبة ، فكأنه قال بطُغيانهم ؛ وقاله أبو عبيدة ، وَيُقَوِّي هذا قوله تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } [ الشمس : 11 ] وأوْلَى الأقوال وأصوبُها الأوَّلُ ، وباقي الآيةِ تقدم تفسيرُ نظيرهِ ، وما في ذلك من القصص ، والعَاتِيَةُ : معناه الشديدةُ المخالِفَة ، فكانت الريحُ قد عَتَتْ على خُزَّانِها بخلافِها ، وعلى قومِ عادٍ بشدتها ، ورُوِيَ عن عليٍّ وابن عباس أنهما قَالا : لَمْ ينزلْ من السماء قطرةُ ماءٍ قط إلا بمكيالٍ عَلَى يدِ مَلَكٍ ، ولا هبتْ ريحٌ إلاَّ كذلك ؛ إلاَّ ما كَانَ مِنْ طوفانِ نوحٍ ، وريحِ عادٍ ، فإنَّ اللَّه أَذِنَ لهما في الخروج دونَ إذْنِ الخُزَّانِ ، و { حُسُوماً } : قال ابن عباس وغيره : معناه كَامِلَةً تِبَاعاً لم يتخللْها غيرُ ذلك ، وقال ابن زيد : { حُسُوماً } جمعُ حَاسِمٍ ، ومعناه أنَّ تلكَ الأَيامَ قطعَتْهُم بالإهلاكِ ، ومنه حَسَمَ العِلَلَ ، ومنه الحُسَامُ ، والضميرُ في قوله : { فِيهَا صَرْعَىٰ } يُحتملُ عُوْدُه على الليالي والأيامِ ، ويُحْتَمَلُ عودُه على ديارِهم ، وقيل : على الريح ، * ص * : « ومن قِبَلَه » النْحويانِ وعاصمٌ في روايةٍ ـــ بكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الباء ـــ أي : أجنادُه وأهلُ طاعتهِ ، وقرأ الباقون : « قَبْلَه » ظَرْفَ زمانٍ ، انتهى . وقوله : { بِالْخَاطِئَةِ } صفةٌ لمحذوفٍ ، أي : بالفعلةِ الخاطئةِ ، والـ « رابية » النَّامِيَة التي قد عَظُمَتْ جِدًّا ، ومنه رِبَا المالِ ، ومنه { ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [ ٍالحج : 5 ] ، ثم عدد تعالى على الناس نِعَمَه في قوله : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَاءُ } يعني في وقتِ الطوفانِ الذي كانَ على قومِ نوح ، و { ٱلْجَارِيَةِ } سفينةُ نوحٍ ؛ قاله منذر بن سعيد ، والضميرُ في : { لِنَجْعَلَهَا } عائِدٌ على الجاريةِ أو على الفعلة . وقوله تعالى : { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وٰعِيَةٌ } : عبارةٌ عن الرجلِ الفَهِمِ المُنَوَّرِ القلبِ الذي يسمعُ القرآنَ ؛ فيتلقاه بِفَهْمٍ وتدبُّرٍ ، قال أبو عمران الجوني : { وٰعِيَةٌ } عَقَلَتْ عَنِ اللَّهِ تعالى ، وقال الثعلبيُّ : المعنى : لِتَحْفَظَهَا كلُّ أذُنٍ فتكونَ عِظَةً لِمَنْ يأتي بعدُ ، تقول وَعَيْتَ العِلْمَ إذا حَفِظْتَه ، انتهى ، ثم ذَكَّر تعالى بأمر القيامةِ ، وقرأ الجمهور : « وَحُمِلَتْ » بتخفيفِ الميمِ بمعنى : حَمَلَتْهَا الريحُ أو القدرةُ ، و { دُكَّتَا } معناه سُوِّيَ جميعُها ، وانشقاقُ السماءِ هو تَفَطُّرُهَا وتميُّزُ بعضِها من بعضٍ ، وذلك هو الوَهْيُ الذي ينالُها ، كما يقال في الجدرات الباليةِ المتشققةِ واهيةٌ ، والملَكُ اسْمُ الجنسِ يريدُ به الملائكةَ ، وقال جمهور من المفسرين : الضميرُ في { أَرْجَائِهَا } عائدٌ على السَّمَاءِ أي : الملائِكَة على نَوَاحِيهَا ، والرَّجَا الجَانِبُ مِنْ البئر أو الحائط ؛ ونحوه ، وقال الضحاكُ وابنُ جبير وغيرهما : الضميرُ في : { أَرْجَائِهَا } عائدٌ عَلى الأرْضِ ، وإنْ كان لم يتقدم لها ذكرٌ قريبٌ ؛ لأنَّ القصةَ واللفظَ يَقْتَضِي إفهَام ذلك ، وفَسَّرُوا هذه الآيةَ بما رُوِيَ من أن اللَّه تعالى يأمر ملائِكَةَ سَمَاءِ الدنيا ، فيقفونَ صَفًّا على حَافَّاتِ الأرضِ ، ثم يأمرُ ملائكة السماءِ الثانية ؛ فَيَصُفُّونَ خلفَهم ، ثم كذلك ملائكةُ كُلّ سماءٍ ، فكلما نَدَّ أحدٌ من الجنِ أو الإنسِ ، وَجَدَ الأرضَ قد أُحِيطَ بها ، قالوا : فهذا تفسير هذه الآية ؛ وهو أيضاً معنى قوله : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] وهو تفسير : { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } [ غافر : 32 - 33 ] على قراءةِ من شَدَّدَ الدال ، وهو تفسيرُ قوله : { يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ … } [ الرحمن : 33 ] واختلفَ الناسُ في الثمانيةِ الحاملينَ للعرشِ ، فقال ابن عباس : هي ثمانيةُ صفوفٍ مِنَ الملائكة لا يَعْلَم أَحَدٌ عِدَّتَهم ، وقال ابن زيدِ : هُمْ ثمانيةُ أمْلاَكٍ على هيئةِ الوُعُولِ ، وقال جماعة من المفسرين : هم على هيئة الناسِ أرجلُهم تَحْتَ الأرْضِ السابعةِ ، ورؤوسهم وكواهلهم فَوْقَ السماءِ السابعةِ ، قال الغَزَّالِيُّ في « الدرة الفاخرة » : هم ثمانيةُ أمْلاَكٍ قَدَمُ المَلَكِ منهم مسيرةُ عشرينَ ألْفَ سنةٍ ، انتهى ، والضميرُ في قوله : { فَوْقَهُمُ } قيل : هو للملائكَةِ الحَمَلَةِ ، وقيل : للعالم كلّه .