Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 142-145)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَوٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ … } الآية : قال ابن عباس وغيره : الثلاثون ليلةً هي شَهْرُ ذي القَعْدَة ، وأن العَشْرَة هي عَشْرُ ذي الحِجَّة ، وروي أن الثلاثين إِنما وعد بأن يصومَهَا ، وأَنَّ مدة المناجاة هِيَ العَشْر ، وحيث ورد أنَّ المواعدة أربعُونَ ليلةً ، فذلك إِخبار بجملة الأمْر ، وهو في هذه الآية إِخبار بتفصيله ، والمعنَىٰ في قوله : { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } : أنه خلق لَهُ إِدراكاً سَمِعَ به الكلام القائِمَ بالذاتِ القديمِ الذي هو صفةُ ذاتٍ ، وكلامُ اللَّه سبحانه لا يشبه كلامَ المخلوقين ، وليسَ في جهة مِنَ الجهاتِ ، وكما هو موجودٌ لا كالموجودات ، ومعلومٌ لا كالمعلومات ؛ كذلك كلامه لا يُشْبِهُ الكلامَ الذي فيه علاماتُ الحدوثِ ، وجَوابُ « لَمَّا » في قوله : { قَالَ } ، والمعنى أنَّه لمَّا كلَّمه اللَّه عزَّ وجلَّ ، وخصَّه بهذه المرتبة ، طَمَحَتْ همته إِلى رُتْبة الرؤْية ، وتشوَّق إِلى ذلك ، فسأل ربَّه الرؤية ، ورؤيةُ اللَّه عز وجلَّ عند أهل السنة جائزةٌ عقْلاً ؛ لأنه من حيثُ هو موجودٌ تصحُّ رؤيته ؛ قالوا : لأن الرؤية للشَّيْءِ لا تتعلَّق بصفةٍ مِنْ صفاته أَكْثَرَ من الوُجُود ، فموسى عليه السلام لم يسأَلْ ربَّه محالاً ، وإِنما سأله جائزاً ، وقوله سبحانه : { لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ … } الآية : ليس بجواب مَنْ سأل محَالاً ، و « لَنْ » تنفي الفَعْلَ المستقبَلَ ، ولو بقينا مع هذا النفْي بمجرَّده ، لقضينا أنه لا يَرَاهُ موسَىٰ أبداً ، ولا في الآخرةِ ، لكنْ ورد من جهة أخرَىٰ بالحديثِ المتواتر ؛ أنَّ أهل الإِيمانَ يَرَوْنَ اللَّه يوم القيامة ، فموسى عليه السلام أحرَى برؤيته ، قُلْتُ : وأيضاً قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] فهو نصٌّ في الرؤية بيَّنه صلى الله عليه وسلم ؛ ففي « الترمذي » عن ابن عمر ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ أَدْنَىٰ أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَىٰ جنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَىٰ اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلى وَجْهِهِ غُدْوَةً وعَشيَّةً " ، ثم قرأ رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] ، قال أبو عيسىٰ : وقد روي هذا الحديثُ مِنْ غير وجه مرفوعاً ، وموقوفاً . انتهى . قال مجاهد وغيره : إن اللَّه عز وجل قال له : يا موسَىٰ ، لن تراني ، ولكنّ سأتجلَّى للجَبَل ، وهو أقوَىٰ منك ، وأَشَدُّ ؛ فإِن ٱستقرَّ وأطاقَ الصبْرَ لهيبتي ، فسَتُمْكِنُكَ أَنْتَ رؤيتي . قال * ع * : فعلى هذا إِنما جعل اللَّه الجَبَل مثالاً ، قلتُ : وقول * ع * : ولو بَقِينَا مَعَ هذا النفْي بمجرَّده ، لَقَضَيْنَا أنَّه لا يراه موسَى أبداً ولا في الآخرة ، قولٌ مرجوحٌ لم يتفطَّن له رحمه اللَّه ، والحقُّ الذي لا شَكَّ فيه أَنَّ « لن » لا تقتضي النفْيَ المؤبَّد . قال بدْرُ الدين أبو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مالِكٍ في شرح التَّسْهِيلِ : « وَلَنْ » كغيرها من حروفِ النفي في جواز كون ٱستقبال المنفيِّ بها منقَطعاً عنْدَ حَدٍّ وغَيْرَ منقطعٍ ، وذكر الزمخشريُّ في أُنْمُوذجِهِ ؛ أَنَّ « لَنْ » لتأبيدِ النفْي ، وحاملُهُ علىٰ ذلك اعتقادُهُ أنَّ اللَّه تعالى لا يُرَى ، وهو اعتقادٌ باطلٌ ؛ لصحَّة ثبوتِ الرؤية عن رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ؛ وٱستدلَّ عَلىٰ عدم اختصاصها بالتأبيد بمجيء ٱستقبالِ المنْفِيِّ بها مُغَيًّا إِلى غايةٍ ينتهي بٱنتهائها ، كما في قوله تعالى : { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } [ طه : 91 ] ، وهو واضح . انتهى ، ونحوه لابْنِ هشامٍ ، ولفظه : ولا تفيدُ « لَنْ » توكيدَ المنفيِّ ؛ خلافاً للزمخشريِّ في « كشافه » ، ولا تأْبِيدَهُ ، خلافاً له في « أنموذجه » ، وكلاهما دَعْوَىٰ بلا دليلٍ ؛ قيل : ولو كانَتْ للتأبيدِ ، لم يقيد منفيُّها بـــ « اليوْم » في { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } [ مريم : 26 ] ولكان ذكْرُهُ « الأَبَدَ » في { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } [ البقرة : 95 ] تَكْراراً ، والأصل عدمه . انتهى من « المغني » . وقوله سبحانه : { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } : التجلِّي : هو الظهورُ منْ غير تشبيهٍ ولا تكييفٍ ، وقوله : { جَعَلَهُ دَكّاً } ، المعنى : جعله أرضاً دكًّا ، يقال : ناقةٌ دَكَّاء ، أَيْ : لا سنامَ لها ، { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } ، أي : مغشيًّا عليه ، قاله جماعة من المفسِّرين . قال * ص * : { وَخَرَّ } معناه سقَطَ ، وقوله : { سُبْحَـٰنَكَ } ، أي : تنزيهاً لك ؛ كذا فسَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { تُبْتُ إِلَيْكَ } ، معناه : منْ أن أسألك الرُّؤْية في الدنيا ، وأنْتَ لا تبيحها فيها . قال * ع * : ويحتمل عنْدي أنه لفظ قاله عليه السلام ؛ لشدَّة هَوْل المَطْلَعَ ، ولم يعن التَّوْبَة مِنْ شيء معيَّن ، ولكنَّه لفظٌ لائقٌ بذلك المقامِ ، والذي يتحرَّز منه أَهْلُ السنة أنْ تكون تَوْبَةً من سؤال المُحَال ؛ كما زعَمَتِ المعتزلةُ ، وقوله : { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي : مِنْ قومه ؛ قاله ابن عباس وغيره ، أَو مِنْ أَهْلِ زمانه ؛ إِنْ كان الكُفْر قد طَبَّق الأرض ، أو أولُ المؤمنين بأنك لا تُرَىٰ في الدنيا ؛ قاله أبو العالية . وقوله سبحانه : { فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } فيه تأديبٌ ، وتقنيعٌ ، وحملٌ على جادَّة السلامة ، ومثالٌ لكلِّ أحدٍ في حاله ، فإِن جميع النِّعم من عند اللَّه سبحانه بمْقدَارٍ ، وكُلُّ الأمور بِمَرْأًى منه ومَسْمَعٍ ، { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ } ، أي : مِنْ كل شيءٍ يَنْفَعُ في معنى الشرْع ، وقوله : { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } مثُلُه ، وقوله : { بِقُوَّةٍ } ، أي : بجدٍّ وصبرٍ عليها ؛ قاله ابن عباس ، وقوله : { بِأَحْسَنِهَا } يحتملُ معنيين . أحدهما : التفضيلُ ؛ كما إِذا عرض مثلاً مباحانِ ؛ كالعفو والقِصَاصِ ، فيأخذون بالأحْسنِ منهما . والمعنى الثاني : يأخذون بَحَسن وَصْفِ الشريعة بجملتها ؛ كما تقول : اللَّه أَكْبَرُ ، دون مقايسة . وقوله سبحانه : { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } ، الرؤية هنا : رؤيةُ عَيْن ؛ هذا هو الأظهر إِلا أن المعنَىٰ يتضمَّن الوعد للمؤمنين ، والوعِيدَ للفاسقين ، ودارٌ الفاسقين : قيل : هي مِصْرُ ، والمراد آل فرعون ، وقيل : الشام ، والمراد العَمَالِقَةُ وقيل : جَهَنَّم ، والمرادُ الكَفَرَةُ بموسى ، وقيل غير هذا ممَّا يفتقرُ إِلى صحة إِسناد .