Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 189-193)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : جلَّت عظمته : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ … } الآية . قال جمهورُ المفسِّرين : المراد بالنَّفْسِ الواحدة : آدم عليه السلام ، وبقوله : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } حَوَّاء ، وقولُه : { مِنْهَا } هو ما تقدَّمَ ذكْره مِنْ أنَّ آدمَ نام ، فٱسْتُخْرِجَتْ قُصْرَىٰ أضلاعِهِ ، وخُلِقَتْ منها حَوَّاءُ . وقوله : { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } ، أي : ليأنسَ ، ويطمئنَّ ، وكان هذا كلُّه في الجنة . ثم ابتدأ بحالةٍ أخرَى ، وهي في الدنيا بعد هبوطهما ، فقال : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } ، أي : غَشِيَها ، وهي كناية عن الجِمَاع ، والحَمْلُ الحفيف : هو المنيُّ الذي تحمله المرأة في رَحِمِهَا . وقوله : { فَمَرَّتْ بِهِ } أي : ٱستمرَّت به ، وقرأَ ابنُ عبَّاس : « فٱسْتَمَرَّتْ بِهِ » ، وقرأ ابن مسعود : « فَٱسْتَمَرَّتْ بِحَمْلِهَا » وقرأ عبد اللَّه بن عمرو بن العاص : « فَمَارَتْ بِهِ » ، أي جاءَتْ به ، وذهَبَتْ ، وتصرَّفَت ؛ كما تقولُ : مَارَتِ الرِّيحُ مَوْراً ، و { أَثْقَلَت } : دخلَتْ في الثِّقل ، كما تقول : أصْبَحَ وأمْسَى ، والضمير في قوله { دَّعَوَا } ، على هذا التأويل : عائدٌ على آدم وحوَّاء ، وروي في قصص ذلك ؛ أن الشيطانَ أشار عَلَى حواء ، أن تُسَمِّيَ هذا المولودَ « عَبْدَ الحَارث » ، وهو اسْمُ إبليسَ ، وقال لها : إِن لم تفعلي قَتَلْتُهُ ، فزعموا أنهما أطاعاه ؛ حرْصاً علَى حياة المولود ، فهذا هو الشِّرك الذي جَعَلاَ لِلَّهِ ، في التسمية فَقَطْ . وقال الطبريُّ والسديُّ في قوله : { فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } كلامٌ منفصلٌ من خَبَرِ آدم وحَوَّاء ، يراد به مشركُو العرب . * ت * : وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس ، ولم أقِفْ بَعْدُ عَلَىٰ صحَّة ما رُوِيَ في هذه القِصَصِ ، ولو صَحَّ ، لوجب تأويله ، نَعَمْ ؛ روى الترمذيُّ عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ ، طَافَ بِهَا إبْلِيسُ ، وكانَ لا يَعيشُ لَهَا وَلَدٌ ، فَقَالَ لَهَا : سَمِّيهِ عَبْدَ الحَارِثِ ، فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الحَارِثِ ، فَعَاشَ ذَلِكَ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَان ، وأَمْرِهِ ، قال الترمذيُّ : هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ ، انفرد به عُمَرُ بنُ إبراهيم ، عن قَتَادَةَ ، وعمرُ شَيْخٌ بصريٌّ . انتهى . وهذا الحديثُ ليس فيه أنهما أطاعاه ، وعَلَىٰ كلِّ حالٍ : الواجبُ التوقُّفْ ، والتنزيهُ لِمَنْ ٱجتباه اللَّه ، وحُسْنُ التأويل ما أمكن ، وقد قال ابنُ العربيِّ في توهينِ هذا القَوْل وتزييفِهِ : وهذا القولُ ونحوه مذكُورٌ في ضعيف الحديثِ في الترمذيِّ وغيره ، وفي الإِسرائيليات التي لَيْسَ لها ثباتٌ ، ولا يعوِّل عليها مَنْ له قَلْبٌ ، فإِنَّ آدم وحواء - وإِن كانا غرَّهما باللَّهِ الغَرُورُ - فلا يُلْدَغُ المؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مرّتين ، وما كانا بعْدَ ذلك لِيقْبَلاَ له نُصْحاً ، ولا يسمعا له قَوْلاً ، والقولْ الأشبه بالحَقِّ : أن المراد بهذا جنْسُ الآدميين . انتهى من « الأحكام » . قال * ع * : وقوله { صَـٰلِحاً } : قال الحَسَن : معناه : غُلاَماً ، وقال ابن عباس ؛ وهو الأظهر : بَشَراً سَوِّياً سليماً . وقال قومٌ : إنما الغَرَضُ من هذه الآية تعديدُ النعمة في الأزواج ، وفي تسهيل النَّسْل والولادةِ ، ثم ذكر سُوءَ فعْلِ المشركينَ المُوجبِ للعقابِ ، فقال مخاطباً لجميع الناس : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } يريد : آدم وحواء ، أي : ٱستمرَّتْ حالُكم واحداً واحداً كذلك ، فهذه نعمةٌ يختصُّ كلُّ واحد بجزء منْها ، ثم جاء قوله : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا … } إلى آخر الآية ، وصفاً لحالِ الناس واحداً واحداً ، أي : هكذا يفعلون ، فإِذا آتاهم اللَّه ولداً صالحاً سليماً كما أرادوه ، صرفوه عن الفِطْرة إِلى الشرك ، فهذا فِعْلُ المشركين . قال ابنُ العَرَبِيِّ في « أحكامه » وهذا القول هو الأشبه بالحقِّ وأقربُ للصدق ، وهو ظاهر الآية ، وعمومها الذي يشملُ جميعَ متناولاتها ، ويسلم فيها الأنبياءُ عن النّقصِ الذي لا يليقُ بجهَّال البَشَرُ ، فكيف بسادَاتِهِمْ ، وأنبيائهم ؟ ! انتهى ، وهو كلامٌ حسنٌ ؛ وباللَّه التوفيق . وقرأ نافعٌ ، وعاصم ؛ في رواية أبي بَكْر : « شركاً » - بكسر الشين ، وسكون الراء - ؛ على المصدر ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيُّ ، وحفصٌ عن عاصم : « شُرَكَاء » على الجمع ، وهي بينة ؛ على هذا التأويل الأخير ، وقلقةٌ على قول من قال : إن الآية الأولى في آدم وحواء ، وفي مُصْحَف أَبيٍّ بن كَعْب : « فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً أَشْرَكَا فِيهِ » . وقوله : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً … } الآية : الآية : ذهب بعضُ من قال بالقول الأول إلى أنَّ هذه الآية في آدم وحواء على ما تقدَّم ، وفيه قَلقٌ وتعسُّفٌ من التأويل في المعنَىٰ وإِنما تنسق هذه الآياتُ ، ويَرُوقُ نَظْمها ، ويتناصَرُ معناها على التأويل الأخير ، فإِنهم قالوا : إن الآية في مُشْركي الكُفَّار الذي يُشْركُون الأصنام في العبادة ، وإِياها يراد في قوله : { مَا لاَ يَخْلُقُ } ، وعبَّر عن الأصنام بـــ { هُمْ } ؛ كأنها تَعْقِلُ على ٱعتقاد الكُفَّار فيها ؛ وبحسب أسمائها ، { ويُخْلَقُونَ } : معناه : يُنْحَتُونَ ويُصْنَعُونَ ، يعني : الأصنام ، ويحتملُ أن يكونَ المعنَىٰ ، وهؤلاء المشركُونَ يُخْلَقُونَ ؛ أي : فكان حقُّهم أن يعبدوا خالِقَهُمْ ، لا مَنْ لا يخلق شيئاً ، وقرأ أبو عبد الرحمٰن : « عَمَّا تُشْرِكُونَ » بالتاء مِنْ فوقُ « أَتُشْركُونَ » . وقوله سبحانه : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـٰمِتُونَ } ، من قال : إن الآياتِ في آدم عليه السلام ، قال : هذه مخاطبة مستأنفة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وأمته في أمْر الكُفَّار المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ قال بالقولِ الآخَر ، قال : إِن هذه مخاطبةٌ للمؤمنين والكُفَّار ؛ على قراءة مَنْ قرأ : « أَيُشْرِكُونَ » - بالياء من تَحت - ، وللكفَّار فقطْ على قراءة مَنْ قرأ بالتاء من فوق على جهة التوقيفِ ، أيْ : هذا حالُ الأصنام معكم ؛ إنْ دعوتموهم ، لم يجيبُوكُمْ .