Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 54-55)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ … } الآية خطاب عام يقتضي التوحيد ، والحجة عليه بدلائله ، وجاء في التفسير ، والأحاديث أن اللَّه سبحانه ابتدأ الخَلْقَ يوم الأَحدِ ، وكملت المَخْلُوقَاتُ يوم الجمعة ، وهذا كله والساعة اليَسِيرَةُ في قُدْرَةِ اللَّه سبحانه سواء . قال * م * : { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } « ستة » أصلها سِدْسَة ، فأبدلوا من السِّين تاء ، ثم أدغموا الدال في التاء ، وتصغيره سديس وسديسة . انتهى . وقوله سبحانه : { ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } معناه عند أبي المعالي وغيره من حُذَّاق المتكلمين : الملك ، والسلطان ، وخصّ العرش بالذِّكْرِ تشريفاً له ؛ إذ هو أَعْظَمُ المخلوقات . وقوله سبحانه : { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } « ألا » : استفتاح كلام . وأخذ المفسرون « الخَلْق » بمعنى المخلوقات ، أي : هي كلها مِلْكُهُ ، واختراعه ، وأخذوا الأمر مَصْدَراً من أمر يأمر . قال * ع * : ويحتمل أن تؤخذ لفظة « الخَلْقِ » على المصدر من : خلق يخلق خَلْقاً ، أي : له هذه الصفة ؛ إذ هو المُوجِدُ للأشياء بعد العَدَمِ ، ويؤخذ الأمر على أنه واحد الأمورِ ، فيكون بمنزلة قوله : { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ } [ هود : 123 ] { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } [ البقرة : 210 ] . وكيف ما تَأَوَّلَتِ الآية ، فالجميع للَّه سبحانه . و { تَبَـٰرَكَ } معناه : عظم ، وتعالى ، وكثرت بركاته ، ولا يوصف بها إلا اللَّه سبحانه . و { تَبَـٰرَكَ } لا يَتَصَرَّفُ في كلام العرب ، فلا يقال منه : يتبارك ، و { ٱلْعَـٰلَمِينَ } جمع عَـٰلِمُ . قوله عز وجل : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } هذا أمر بالدعاء ، وتعبد به ، ثم قرن سبحانه بالأَمْرِ به صفات تحسن معه . وقوله : { تَضَرُّعاً } معناه بخشوع ، واستكانة ، والتضرع لفظة تَقْتَضِي الجَهْرَ ، لأن التضرع إنما يكون بإشَارَاتِ جوارح وهيئات أعضاء تقترن بالطلب ، و { وَخُفْيَةً } يريد في النفس خاصة ، وقد أثنى اللَّه سبحانه على ذلك في قوله سبحانه : { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً } [ مريم : 3 ] ، ونحو هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُ الذِّكْرِ الخَفِيُّ " والشريعة مقررة أن السر فيما لم يفرض من أعمال البر أعظم أَجْراً من الجَهْرِ . * ت * : ونحو هذا لابن العربي لما تكلَّمَ على هذه الآية ، قال : الأَصْلُ في الأعمال الفرضية الجَهْرُ ، والأصل في الأعمال النَّفْلية السِّرُّ ، وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرِّيَاءِ ، والتَّظَاهُر بذلك في الدنيا ، والتفاخر على الأصحاب بالأعمال ، وقلوب الخَلْقِ جُبِلَتْ بالمَيْلِ إلى أهل الطاعة . انتهى من « الأحكام » . وقوله سبحانه : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } يريد في الدعاء ، وإن كان اللفظ عامّاً ، والاعتداء في الدعاء على وجوه منها : الجَهْرُ الكثير ، والصياح ، وفي « الصحيح » عنه صلى الله عليه وسلم : " أيها النَّاسُ ارْبَعُوا على أَنفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً " . ومنها : أن يدعو في مُحَالٍ ، ونحو هذا من التشطُّط ؛ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالُّ : " سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ في الدُّعَاءِ ، وحَسْبُ المرء أن يَقُولَ : اللَّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّب إِلَيْهَا من قَوْلٍ ، أو عَمَلٍ ، وأَعُوذُ بك من النَّارِ ، وما قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلِ ، أو عَمَلٍ " . وقال البخاري : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي : في الدعاء وغيره . انتهى . * ت * : قال الخطابي : وليس معنى الاعْتِدَاءِ الإكثار ، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُلِحِّينَ في الدّعاءِ " ، وقال : " إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَكْثرْ ، فإنما هُوَ يَسْأَلُ رَبَّهُ " انتهى . وروى أبو داود في « سُنَنَهِ » عن عبد اللَّه بن مُغَفَّل ، قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " سَيَكُونُ في هَذِهِ الأُمَّةِ قوم يَعْتَدُونَ في الطُّهْرِ وَالدُّعَاءِ " انتهى .