Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 74-79)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ … } { بَوَّأَكُمْ } : معناه مكَّنكم ، وهي مستعملة في المكانِ وظروفِهِ ، و « القُصُور » : جمع قَصْر ، وهي الديارُ التي قصرت علَىٰ بقاع من الأرض مخصوصةٍ ؛ بخلاف بُيُوت العمود ، وقُصِرَتْ على الناس قصراً تامًّا ، و « النحْتُ » : النَّجْرُ والقَشْر في الشيء الصُّلْب ؛ كالحَجَر والعُودِ ، ونَحْوه ، وكانوا ينحتون الجبالَ لطولِ أعمارِهِمْ ، وَ ( تَعْثَوْا ) معناه تُفْسِدُوا . قال أبو حيان : و { مُفْسِدِينَ } : حالٌ موكِّدة . انتهى . و { الَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } هم الأشرافُ والعظماء الكَفَرة ، و { الَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } : هم العامة والأَغْفَالُ في الدنيا ، وهم أتْبَاعُ الرُّسُلِ ، وقولهم : { أَتَعْلَمُونَ } : ٱستفهامٌ ؛ علىٰ معنى ٱلاستهزاءِ وٱلاستخفاف ، فأجاب المؤمنون بالتصديق والصَّرامة في دين اللَّه ، فحملت الأنفةُ الأشرافَ عَلى مناقَضَةِ المؤمنين في مَقَالَتهم ، وٱستمرُّوا على كُفْرِهم . وقوله سبحانه : { فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ } يقتضي بتَشْريكهم أجمعين في الضمير أن عقر الناقة كان على تَمَالُؤٍ منهمْ واتفاقٍ ، وكذلك رُوِيَ أنَّ قُدَاراً لم يعقْرها حتَّىٰ كان يستشيرُ ، و { عَتَوْاْ } : معناه : خَشُنُوا وصَلُبُوا ، ولم يذعنوا للأمر والشرعِ ، وصمَّموا على تكذيبه ، وٱستعجلوا النِّقْمة بقولهم : { ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } ، فحلَّ بهم العذابُ ، و { الرَّجْفَةُ } : ما تؤثِّره الصيحةُ أو الطَّامَّة التي يُرْجَفُ بها الإِنسانُ ، وهو أن يتحرَّك ويضْطَرِب ، ويرتَعِدَ ؛ ومنه : « فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ » وروي أنَّ صيحة ثَمُود كان فيهَا مِنْ كلِّ صوتٍ مهولٍ ، وكانت مُفْرَطة شقَّتْ قلوبَهُمْ ، فجثموا علىٰ صدورهم ، والجِاثم اللاَّطىء بالأرض على صَدْره ، فـــ { جَاثِمِينَ } : معناه : باركين قَدْ صُعِقَ بهم ، وهو تشبيه بجُثُوم الطير ، وجُثُوم الرماد ، وقال بعض المفسرين : معناه : حميماً محترقين ؛ كالرماد الجاثم ، وذهب صاحبُ هذا القول إلى أن الصيحة ٱقترَنَ بها صواعقُ مُحْرِقَةٌ ، وروي أن الصيحةَ أصابَتْ كلَّ مَنْ كان منهم في شَرْق الأرض وغَرْبِهَا إِلاَّ رَجُلاً كان في الحَرَم ، فمنعه الحرمُ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ خروجه من الحَرَم ؛ ففي « مُصَنَّف أبي داود » ، قيل : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ مَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ ؟ قَالَ : أبُو رُغَالٍ ، وذكر الطبريُّ أيضاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهذا الخبر يردُّ ما في السير من أَنَّ أَبا رُغَالٍ هو دليلُ الفِيل ، وقوله : { فَتَوَلَّى عَنْهُمْ } ، أي : تولَّى عنهم وقت عَقْر الناقة ، وذلك قبل نزول العذاب ؛ وكذلك رُوِيَ أنه عليه السلام خَرَجَ مِنْ بين أظهرهم قبل نزول العذاب ، وهو الذي تقتضيه مخاطبته لهم ، ويحتمل أن يكون خطابُهُ لهم وهُمْ موتَىٰ ؛ علىٰ جهة التفجُّع عليهم ، وذكر حالهم أو غير ذلك ؛ كما خاطب النبيُّ صلى الله عليه وسلم أهْل قليب بَدْر . قال الطبريُّ ؛ وقيل : إنه لم تَهْلِكْ أُمَّة ، ونبيُّها معها ، ورُوِيَ أنه ارتحلَ بمَنْ معه حتَّى جاء مكَّة ، فأقام بها حتى مات ، ولفظ التولِّي يقتضي اليأْس مِنْ خَيْرهم ، واليقينَ في إِهلاكهم ، وقوله : { وَلَٰكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ } : عبارةٌ عن تغليبهم الشهوات عَلَى الرأْي السديد ؛ إذ كلامُ الناصح صَعْبٌ مُضادٌّ لشهوة الذي يُنصحُ ، ولذلك تقول العرب : أمْرُ مُبْكِيَاتِكَ لاَ أَمْرُ مُضْحِكَاتِكَ .