Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { يَٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } نداءٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال السهيلي : المُزَّمِّلُ اسمٌ مشتقٌ من حالتِه التي كَانَ عليها ـــ عليه السلام ـــ حينَ الخطابِ ، وكذلكَ المدَّثِّرُ ، وفي خطابِه بهذَا الاسْمِ فائِدَتان : إحداهما : الملاطفةُ فإنَّ العربَ إذا قَصَدَتْ ملاطَفَةَ المخاطَبِ ، وتَرْكَ معاتَبَتهِ سَمَّوْهُ بٱسْمٍ مشتقٍ من حالتِه ، كقوله ـــ عليه السلام ـــ لعلي حين غَاضَبَ فاطمةَ : قُمْ أبا تُرَابٍ ، إشعاراً له أنه غَيْرُ عاتبٍ عليه ، وملاطَفَةً له ، والفائدة الثانية : التنبيهُ لكلِّ مُتَزَمِّلٍ راقدٍ ليلَه ؛ لينتبهَ إلى قيامِ الليل وذكرِ اللَّه فيه ، لأنَّ الاسْمَ المشتق من الفعلِ ، يَشْتَرِكُ فيه معَ المخاطَب كلُّ مَنْ عَمِلَ بذلك العملِ ، واتَّصَفَ بتلك الصفةِ ، انتهى ، والتَزَمُّلُ الاِلْتِفَافُ في الثياب ، قال جمهور المفسرين وهو في البخاري وغيره : " إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا جَاءَه المَلَكُ في غار حراء وَحَاوَرَه بما حَاوَرَه به ، رَجَعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خَدِيجَةَ فَقَال : زَمِّلُوني زَمِّلُوني ؛ فنزلت « يأيها المدثر » " و [ على هذا نزلت « يأيها المزمل » ] . وقوله تعالى : { قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } قال جمهور العلماءِ : هو أمْرُ نَدْبٍ ، وقيل كَانَ فَرْضاً وقْتَ نزول الآيةِ ، وقال بعضُهم : كان فرضاً على النبي صلى الله عليه وسلم خاصَّةً وبَقِيَ كذلك حتى تُوُفِّي ، وقيل غير هذا . وقوله تعالى : { نِّصْفَهُ } يحتملُ : أن يكونَ بَدَلاً من قوله قليلاً ، * ص * : { إِلاَّ قَلِيلاً } استثناءٌ من الليلِ ، و { نِّصْفَهُ } قيل : بَدَلٌ من الليل وعلى هذا يكون استثناءُ { إِلاَّ قَلِيلاً } منه ، أي : قم نصفَ الليل إلا قليلاً منه ، والضميرُ في قوله : { أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ } ، { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } عائدٌ على النصْفِ وقيل : { نِّصْفَهُ } : بدل من قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } قَالَ أبو البَقَاءِ ، وهو أشْبَهُ بظاهرِ الآيةِ ، انتهى ، قال * ع * : وكَيْفَ مَا تَقَلَّبَ المعنى فإنه أمْر بقيامِ نصفِ الليلِ ، أو أكْثَر شيئاً أو أقَلَّ شيئاً ، فالأكْثر عند العلماء لا يُزِيدُ على الثُّلثَيْنِ ، والأقَلُّ لاَ يَنْحَطُّ عَن الثلثِ ، ويُقَوِّي هذا حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ في مَبِيتهِ في بيت ميمونة ؛ قال : فلما انْتَصَفَ الليلُ أو قَبْلَه بقليلٍ أو بعده بقليل ، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، قال * ع * : ويلزمُ على هذا البَدَلِ الذي ذَكَرْنَاه أن يكونَ نصفُ الليل قَدْ وَقَعَ عليه الوصفُ بقليلٍ ، وقَدْ يحتملُ عندي قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } أنْ يكون استثناءً من القيام ، فنجعلُ الليلَ اسْم جِنْسٍ ثم قال : { إِلاَّ قَلِيلاً } أي : إلا الليالي التي تُخِلُّ بقيامِها لعذرٍ ، وَهَذَا [ النظرُ يَحْسُنُ مَعَ القولِ بالنَّدْبِ جِدًّا ، قال * ص * : وهذا [ النَّظَرُ خلافُ ظاهرِ الآية ، انتهى ، والضميرُ في { مِنْهُ } و { عَلَيْهِ } عائِدَان على ] النصف . وقوله سبحانه : { وَرَتِّلِ } : معناه في اللغةِ : تَمَهَّلْ وَفَرِّقْ بَيْنَ الحروفِ ، لَتَبِينَ ، والمقْصِدُ أنْ يَجِدَ الفِكْرُ فُسْحَةً للنَّظَرِ وفَهْمِ المعاني ، وبذلكَ يَرِقُّ القَلْبُ ، ويَفِيضُ عليه النُّورُ والرحمة ، قال ابن كيسان : المُرادُ : تَفْهَمُه تالياً له ، ورُوِي في صحيح الحديث : أن قراءةَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَتْ بيِّنَةً مُتَرسِّلَةً ، لو شاء أحَدُ أنْ يَعُدَّ الحروفَ لعَدَّها ، قال الغزاليُّ في « الإحياء » : واعْلَمْ أنَّ التَرْتِيلَ والتَّؤُدَةَ أقْرَبُ إلى التوقير والاحترامِ ، وأشَدُّ تأثيراً في القلبِ من الهَدْرَمَةِ والاسْتِعْجَالِ ، والمَقْصُودُ مِنَ القراءَةِ التفكُّرُ ، والترتيلُ مُعِينٌ عَلَيْهِ ، وللناس عاداتٌ مختلفة في الخَتْمِ ، وأوْلَى مَا يُرْجَعُ إليه في التقديراتِ قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَال ـــ عليه الصَّلاةُ والسلام ـــ : " مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ في أَقَلِّ مِن ثَلاَثٍ ، لَمْ يَفْقَهْهُ " وذلك لأَنَّ الزيادةَ عليهَا تمنعُ الترتيلَ المطلوبَ ، وقَدْ كَرِهَ جماعةٌ الختمَ في يومٍ ولَيْلَةٍ ، والتفصيلُ في مقدار القراءة أنَّه إنْ كَانَ التالي من العُبَّادِ السالكينَ طريقَ العَمَلِ ، فلا يَنْبَغِي له أن يَنْقُصَ من خَتْمَتَيْنِ في الأُسْبُوعِ ، وإنْ كانَ من السالكينَ بأعْمَالِ القَلْبِ وضرُوب الفِكْر ، أو من المشغولين بِنَشْرِ العلمِ فَلا بأسَ أنْ يَقْتَصِر في الأُسْبُوعِ على ختمةٍ ، وإنْ كَانَ نَافِذَ الفِكْرِ في مَعَانِي القرآن فَقَدْ يكتفِي في الشهر بمرةٍ لحاجَتِهِ إلى كَثْرَةِ التَّرْدِيدِ والتأمُّل ، انتهى ، ورَوَى ابنُ المباركِ في « رقائقه » : قال : حدثنا إسماعيل عن أبي المتوكِّل الناجي : " أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِآيَةٍ مِنَ القُرْآنِ يُكَرِّرُهَا عَلَىٰ نَفْسِهِ " ، انتهى .