Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 73, Ayat: 5-10)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } يعني القُرآن ، واخْتُلِفَ لم سمّاه ثقيلاً ، فقال جماعةٌ مِنَ المفسرينَ : لِمَا كَانَ يَحُلُّ برسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ ثِقْلِ الجِسْمِ ؛ حَتَّى إنَّه كَانَ إذا أُوحي إليه وهُو على نَاقَتِهِ ؛ بَرَكَتْ بهِ وحَتَّى كَادَتْ فَخِذُه أنْ تَرُضُّ فَخِذَ زَيْدِ بن ثابت ـــ رضي اللَّه عنه ـــ ، وقيل : لثِقَلِهِ على الكفارِ والمنافقينَ بإعْجَازِه ووَعْدِه ووعيدهِ ونحو ذلك ، وقال حُذَّاقُ العلماء : معناه : ثَقِيلُ المَعانِي من الأَمْرِ بالطاعاتِ ، والتكاليفِ الشرعية من الجهاد ، ومزاولةِ الأعمال الصالحاتِ دائماً ، قال الحسن : إنَّ الهَذَّ خَفِيفٌ ولَكِنَّ العَمَل ثقيل * ت * : والصوابُ عندي أَنْ يُقَالَ : أما ثِقَلُه باعتبارِ النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو مَا كَان يَجِدُه ـــ عليه السلامُ ـــ من الثقل المَحْسُوسِ وأما ثِقَلُه باعتبارِ سائرِ الأمةِ فهو ما ذُكِرَ من ثقل المعاني ، وقَدْ زَجَرَ مالكٌ سائِلاً سأله عن مسألةٍ وَقَالَ : يا أبا عَبْدِ اللَّه ؛ إنها مسألةٌ خفيفةٌ ؛ فغَضِبَ مالكٌ وقال : لَيْسَ في العِلم خَفِيفٌ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّه تعالى : { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } فَالْعِلْمُ كُلُّه ثقيلُ ، انتهى من « المدارك » لعياضٍ . وقوله سبحانه : { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } قال ابن جُبَيْرٍ وغيره : هي لَفْظَةٌ حَبَشِيَّةٌ ؛ نَشَأَ الرجلُ إذا قَامَ من الليلِ فـ { نَاشِئَةَ } على هذا جَمْعُ ناشىء أي : قَائِمٌ ، و { أَشَدُّ وَطْأً } معناه : ثُبُوتاً واسْتِقْلاَلاً بالقيام ، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وجماعة كابن عباس وابن الزبير وغيرهم : « وَطَاءً » ـــ بكسر الواوِ ـــ مَمْدُوداً عَلى وَزْنِ « فِعَالِ » على معنى المُوَاطَأَةِ والموَافَقَةِ ، وهو أن يواطىء قلبَه لسانهُ ، والموَاطأةُ هِي الموافَقَةُ ، فهذه مواطأَةٌ صحيحة ؛ لخلو البَالِ من أشْغَالِ النَّهارِ ، وبهذا المعنى فَسَّر اللفظَ مجاهدٌ وغيره ، قال الثعلبيّ : واخْتَارَ هذه القراءةَ أبو عبيدِ وقال جماعة : { نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } سَاعَاتُه كلُّها ، لأَنَّها تَنْشَأ شَيْئاً بعد شيءٍ ، وقيل في تفسير { نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } غَيْرُ هذا ، وقرأ أنس بن مالك « وأصْوَبُ قِيلاً » فقيل له : إنما هو { أَقْوَمُ } فَقَالَ : أقْوَمُ وأصْوَبُ وَاحِدٌ . وقوله تعالى : { إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } أي : تَصَرُّفاً وَتَرَدُّداً في أمُورِكَ ، ومنه السِّبَاحةُ في الماء ، { وَتَبَتَّلْ } معناه : انْقَطِعْ إليه انْقِطَاعاً ؛ هذا لفظ ابن عطاء على ما نقله الثعلبي ، انتهى ، وأما * ع * فقال : معناه انْقَطِعْ مِنْ كلِّ شيءٍ إلا مِنْهُ وأفْزَعْ إليه ، قال زيد بن أسلم : التَبَتُّلُ : رَفْضُ الدُّنْيَا ، ومنه بُتِلَ الحَبْلُ ، و { تَبْتِيلاً } مَصْدر على غير الصَّدْرِ ، قال أبو حيان : وحُسْنُه كونُه فاصلةً ، انتهى ، قال ابن العربي في « أحكامه » : فالتَبَتُّلُ المأمورُ بهِ في الآيةِ الاِنْقِطَاعُ إلى اللَّهِ تعالى بإخْلاَصِ العِبَادَةِ ، وَهُوَ اختيارُ البخاريّ ، والتَبَتُّلُ المنهي عنه في الحديثِ هُو سُلُوكُ مَسْلَكِ النصارى في تَرْكِ النِّكَاحِ والتَّرَهُّبِ في الصوامِع ، انتهى ، والوَكِيلُ القائم بالأمْرِ الذي تُوكَلُ إليه الأشياء . وقوله : { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } منسُوخٌ بآية السيف .