Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 1-6)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { يَٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ } الآيةَ ، اخْتُلِفَ في أول ما نزل من القرآن ، فقال الجمهورُ هو : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } وهذَا هو الأَصَحُّ ، وقال جابرٌ وجماعةٌ هو : { يَٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } ، * ص * : والتَّدَثَّرُ : لُبْسُ الدِّثَارِ ، وهو الثَّوْبُ الذي فَوْقَ الشِّعَارِ ، والشِّعَارُ الثَّوبُ الذي يلي الجَسَدَ ؛ ومنه قوله : ـــ عليه السلام ـــ : " الأَنْصَارُ شِعَارٌ ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ " انتهى . وقوله تعالى : { قُمْ فَأَنذِرْ } بَعْثَةٌ عامةٌ إلى جميع الخلق . { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي : فعظمْ . { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال ابنُ زيدٍ وجماعة : هو أمْرٌ بتطهيرِ الثيابِ حَقِيقةً ، وذَهَبَ الشافعيُّ وغيرُه من هذه الآيةِ إلى : وجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مِنَ الثيابِ ، وقالَ الجُمْهُورُ : هَذِه الألْفَاظُ اسْتِعَارَةٌ في تنقيةِ الأفْعَالِ والنَّفْسِ ، والعْرِضِ ، وهذا كما تقول : فلانٌ طَاهِرُ الثوبِ ، ويقال للفَاجِر : دَنِسُ الثَّوْبِ ، قال ابن العربي في « أحكامه » : والذي يقول إنها الثيابُ المَجَازِيَّة أكْثَرَ ، وكثيراً ما تستعملُه العَرَبُ ، قال أبو كَبْشَةَ : [ الطويل ] @ ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَىٰ نَقِيَّةٌ وَأَوْجُهُهُمْ عِنْدَ المَشَاهِدِ غُرَّانُ @@ يعني : بطهارةِ ثيابهم وسلامَتَهم من الدَّنَاءَاتِ ، وقال غَيْلاَنُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ : [ الطويل ] @ فَإنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ ثَوْبَ فَاجِرٍ لَبِسْتُ وَلاَ مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ @@ ولَيْسَ يمتنع أن تُحْمَلَ الآيةُ على عمومِ المرادِ فيها بالحقيقةِ والمجازِ على ما بيَّناه في أصولِ الفقه ، وإذا حملنَاها على الثيابِ المعلومَة ؛ فهي تتناول معنيين : أحدهما : تَقْصِيرُ الأَذْيَالِ ؛ فإنَّها إذا أُرْسِلَتْ تَدَنَّسَتْ ، وتَقْصِيرُ الذيلِ أَنْقى لثَوْبِه وأتْقَى لربِّه ، المَعْنَى الثَّاني : غَسْلُها من النَّجاسَةِ فهو ظَاهِرٌ منها صحيحٌ فيها ، انتهى ، قال الشيخ أبو الحسن الشاذليُّ ـــ رضي اللَّه عنه ـــ : رأَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ ، فقالَ : يَا عَلِيُّ ، طَهِّرْ ثِيَابَكَ مِنَ الدَّنَسِ ، تَحْظَ بمَدَدِ اللَّهِ في كُلِّ نَفَسٍ ، فَقُلْتُ : وَمَا ثِيَابي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ كَسَاكَ [ حُلَّة المَعْرِفَةِ ، ثُمَّ ] حُلَّةَ المَحَبَّةِ ، ثُمَّ حلةَ التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ حُلَّةَ الإيمَانِ ، ثُمَّ حُلَّةَ الإسْلاَمِ ، فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ صَغُرَ لديْهِ كُلُّ شَيْءٍ ، ومَنْ أَحَبَّ اللَّهَ هَانَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ ، وَمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ ، لَمْ يُشْرِكْ به شَيْئاً ، ومَنْ آمَنَ بِاللَّهِ أَمِنَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمَنْ أَسْلَمَ لِلَّهِ قَلَّمَا يَعْصِيهِ ، وإنْ عَصَاهُ ، ٱعْتَذَرَ إلَيْهِ ، وَإذَا ٱعْتَذَرَ إليه ، قَبِلَ عُذْرَه ، قال : فَفَهِمْتُ حِينَئِذٍ مَعْنَىٰ قولِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } انتهى من « التنوير » لابن عطاء اللَّه . { وَٱلرُّجْزَ } يعني الأصْنَام والأَوثَانَ ، وقال ابن عباس : الرُّجْزُ السَّخَط يعني : اهْجُرْ ما يؤدي إليه ويوجبُه ، واخْتُلِفَ في معنى قولهِ تعالى : { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } فقالَ ابن عباس وجماعة : معناه لاَ تَعْطِ عَطَاءً لِتُعْطَى أكْثَرَ منه ، فكأَنه من قولهم : مَنَّ إذَا أَعْطَى ، قال الضحاك : وهذَا خاصُّ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ومُبَاحٌ لأُمَّتِه ، لكنْ لاَ أجْرَ لهم فيه ، وقال الحسن بن أبي الحسن : معناه ولاَ تَمْنُنْ على اللَّهِ بِجِدِّكَ ، تَسْتَكْثِرْ أعْمَالَك ، ويَقَعْ لَكَ بها إعْجَابٌ ، قال * ع * : وهَذَا مِنَ المنِّ الذي هو تعديدُ اليَدِ وذكرُها ، وقال مجاهد : معناه ولاَ تَضْعُفْ تَسْتَكْثِرْ مَا حَمَّلْنَاك من أعباء الرسالةِ ، وتستكثرْ مِنَ الخَيْرِ ؛ وهَذَا من قولهم حَبْلٌ مَنِينٌ أي : ضعيفٌ .