Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 32-34)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله عز وجل : { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ … } الآية : رُوِيَ عن مجاهدٍ وغيره : أن قائل هذه المقالة هو النَّضْرُ بْنُ الحَارثِ المذكورُ ، وفيه نزلَتْ هذه الآية . قال * ع * : وترتَّب أن يقول النَّضْرُ مقالَةً ، وينسبها القُرآن إِلى جميعهم ؛ لأن النضر كان فيهم موسُوماً بالنُّبْل والفَهْم ، مسكوناً إِلى قوله ، فكان إِذا قال قولاً قاله منهم كثيرٌ ، وٱتَّبَعُوهُ عليه ؛ حَسَب ما يفعله الناسُ أبداً بعلمائهم وفقهائهم . * ت * : وخرَّج البخاريُّ بسنده ، عن أنسِ بنِ مالكٍ ، قال : قَالَ أَبو جَهْلٍ : اللَّهُمَّ إِن كان هذا هُوَ الحَقَّ من عندكْ ، فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ٱئتنا بعذاب أليم ، فنزلَتْ : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } ، إِلى : { عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ا هـــ ، والمشار إِليه بـــ { هَـٰذَا } هو القرآن وشَرْعُ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، والذي حملهم على هذه المقالة هو الحَسَدُ ، فعَمِيَتْ بصائرهم عن الهدَى ، وصَمَّموا على أنَّ هذا ليس بحقٍّ ، نعوذ باللَّه من جَهْدِ البلاءِ ، وسُوء القضاء ، وحكى ابن فُورَكَ : أن هذه المقالة خرجَتْ منهم مَخْرَجَ العنادِ ، وهذا بعيدٌ في التأويل ، ولا يقولُ هذا على جهة العناد عاقلٌ ، وقراءةُ الناسِ إِنما هي بنَصْب « الحق » ؛ على أنه خَبَرَ « كان » ، ويكون « هو » فَضلاً ، فهو حينئذٍ ٱسُمٌ ، و « أمْطِرْ » إِنما تستَعْملُ غالباً في المكروه ، و « مَطَرَ » في الرحمة ؛ قاله أبو عُبَيْدة . وقوله سبحانه : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ … } الآية : قالَتْ فرقة : نزلَتْ هذه الآية كلُّها بمكَّة ، وقالت فرقة : نزلَتْ كلُّها بعد وقعة بَدْرٍ ؛ حكاية عما مضَى . وقال ابْنُ أَبْزَى : نَزَلَ قوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } بمكَّة إِثر قولهم : { أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، ونزل قوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، عند خروج النبيِّ صلى الله عليه وسلم من مكَّة في طريقه إِلى المدينة ، وقد بقي بمكَّة مؤمنون يستغفرون ، ونَزَلَ قوله : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ … } إلى آخر الآية ، بعد بَدْر عند ظهور العَذَاب عليهم . * ت * : وهذا التأويل بَيِّن ، وعليه اعتمد عِيَاضٌ في « الشِّفَا » قال : وفي الآية تأويلٌ آخر ، ثم ذكَرَ حديث التِّرْمِذيِّ ، عن أبي موسَى الأشعريِّ ، قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ لأُمَّتي : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ، فَإِذَا مَضَيْتُ ، تَرَكْتُ فِيهِمْ ٱلاسْتِغْفَار " انتهى . قال * ع * : وأجمعَ المتأوِّلون عَلى أن معنى قوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } أن اللَّه عزَّ وجلَّ لم يعذِّب قطُّ أُمةً ونبيُّها بَيْنَ أظهرها ، أي : فما كان اللَّه ليعذِّب هذه الأمة ، وأنْتَ فيهم ، بل كرامَتُكَ لديه أعظَمُ . وقوله عز وجل : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } تُوعُّد بعذاب الدنيا ، والضميرُ في قوله : { أَوْلِيَاؤُهُ } : عائدٌ على اللَّه سبحانه ، أو على المسجدِ الحرامِ ، كلُّ ذلك جيِّد ، ورُوِيَ الأخير عن الحسن . وقال الطبريُّ : عن الحسنِ بْنِ أَبي الحسنِ أن قوله سبحانه : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ } ناسخ لقوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قال * ع * : وفيه نظر ؛ لأنه خبر لا يدخلُهُ نَسْخٌ .