Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 30-31)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } الآية : تذكيرٌ بحال مكَّة وضيقها مع الكفرة ، وجميل صُنْع اللَّه تعالى في جميع ذلك ، والمَكْرُ : المخاتلة والتداهي ؛ تقول : فلانٌ يَمْكُرُ بفلان ؛ إِذا كان يستدرجه ، وهذا المكر الذي ذكر اللَّه تعالى في هذه الآية هو بإِجماع من المفسِّرين : إِشارةٌ إِلى ٱجتماع قُرَيْش في « دار النَّدْوَةِ » بمحْضَر إِبْليسَ في صورة شيخٍ نَجْدِيٍّ على ما نصَّ ابن إِسحاق في « سِيَرِهِ » الحديثَ بطوله ، وهو الذي كان خُرُوجُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسببه ، ولا خلاف أن ذلك كان بَعْدَ مَوْت أبي طالب ، ففي القصَّة : " أن أبا جهْلٍ قال : الرأْيُ أنْ نأخذ من كل بطنٍ في قريشٍ فَتًى قويًّا جَلْدياً ، فيجتمعون ثم يأخُذ كُلُّ واحد منهم سيفاً ، ويأتون محمداً في مَضْجَعه ، فيضربونه ضَرْبةَ رجُلٍ واحدٍ ، فلا تَقْدِرُ بَنُو هاشِمٍ على قِتالِ قُرَيْشَ بأسرها ، فيأخذون العَقْلَ ، ونستريحُ منه ، فقال النَّجْدِيُّ : صدق الفَتَى ؛ هذا الرأيُ : لاَ رَأْيَ غيره ، فٱفترقوا عَلَى ذلك ، فأخبر اللَّه تعالَى بذلك نبيَّه صلى الله عليه وسلم ، وأذن له في الخُرُوجِ إِلى المدينة ، فخرج رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من ليلته ، وقال لعليِّ بنْ أَبي طالب : « ٱلْتَفَّ في بُرْدِيَ الحَضْرَمِيِّ ، وٱضْطَجِعْ فِي مَضْجَعِي ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّكَ شَيْء ، فَفَعَل » ، فجاءَ فتْيَانُ قُرَيْشٍ ، فجعلوا يرصُدُون الشخْصَ ، وينتظرون قيامه ، فيثورون به ، فلما قام رَأَوْا عَلِيًّا ، فقالوا له : أيْنَ صَاحِبُكَ ؟ فقال : لا أدْرِي ، " وفي « السِّيَر » ؛ أن رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَيْهِم ، وهُمْ في طريقه ، فطَمَسَ اللَّه أعينهم عَنْه ، وجعل عَلَى رأس كلِّ واحد منهم تراباً ، ومضَى لوجهه ، فجاءهم رجُلٌ ، فقال : مَا تَنْتَظِرُونَ ؟ قَالُوا : محمَّداً ، قال : إِنِّي رأَيْتُهُ الآن جائياً من ناحيتكم ، وهو لا مَحَالَة ، وضَعَ الترابَ علَى رؤوسكم ، فَمَدّ كلُّ واحدٍ يده إِلى رَأْسِهِ ، فإِذا عليه الترابُ ، وجاؤوا إِلَىٰ مضجعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجدوا عَلِيًّا ، فركبوا وراءه حينئذٍ كُلَّ صَعْبٍ وذَلُولٍ ، وهو بالغارِ ، ومعنى : { لِيُثْبِتُوكَ } : لِيَسْجُنُوكَ ؛ قاله عطاء وغيره وقال ابنُ عَبَّاس وغيره : ليُوثِقُوكَ . وقوله سبحانه : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَـٰتُنَا } ، يعني : القرآن ، { قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } ، وقولهم : { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي : قَصَصُهُمُ المَكْتُوبةُ المسْطُورة ، وأساطيرُ : جمع « أُسْطُورَةٍ » ، ويحتملُ حمع : « أَسْطَار » ، وتواترتِ الرواياتُ عن ابنِ جُرَيْج وغيره : أن قائل هذه المقالة هو النَّضْرُ بنُ الحارِثِ ؛ وذلك أنه كان كَثِيرَ السَّفَرِ إِلى فَارسَ والحِيرَة ، فكان قد سَمِعَ من قصص الرهبان وأخبار رُسْتُم وإسْفِنْديَار ، فلما سمع القرآن ، ورأى فيه أخبار الأنبياء والأمم ، قال : لو شئت لقلْتُ مثْلَ هذا ، " وكان النضْرُ من مَرَدةِ قريشٍ النائلين من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ونزلَتْ فيه آيات كثيرة من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ ، وأمْكَنَ اللَّه منْهُ يَوْمَ بدر ، وقتله رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَبْراً بالصَّفْرَاء مُنْصَرَفَهُ من بَدْرٍ في موضعٍ يقال له « الأَثيل » ، وكان أَسَرَهُ المِقْدادُ ، فلما أمر رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بضرب عُنْقِهِ ، قال المقداد : أَسِيرِي ، يا رَسُولَ اللَّهِ ! فقال رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ في كِتَابِ اللَّهِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ » ، ثُمَّ أَعَادَ الأَمْرَ بِقَتْلِهِ ، فَأَعَادَ المِقْدَادُ مَقَالَتَهَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « اللَّهُمَّ ، أَغْنِ المِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ » ، فَقَالَ المِقْدَادُ : هَذَا الَّذِي أَرَدتُّ ، فَضُرِبَتْ عُنُقُ النَّضْر " .