Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 37-40)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } ، وقرأ حمزة والكسائيُّ : « لِيُمَيِّزَ اللَّهُ » - بضم الياءِ ، وفتحِ الميم ، وشدِّ الياء - ، قال ابن عباس وغيره : المعنيُّ بـــ { ٱلْخَبِيثَ } : الكفَّارُ ، وبـ { ٱلطَّيِّبِ } المؤمنون ، وقال ابْنُ سَلاَّم والزَّجَّاج : { ٱلْخَبِيثَ } : ما أنفقه المشركون في الصَّدِّ عن سبيل اللَّه ، و { ٱلطَّيِّبِ } : هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل اللَّهِ . قال * ع * : رُوِيَ عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَنَّ اللَّه سبحانه يُخْرِجُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَالِ مَا كَانَ صَدَقَةً أَوْ قُرْبَةً ، ثُمَّ يأْمُرُ بِسَائِرِ ذَلِكَ ، فَيُلْقَىٰ فِي النَّارِ : وعلى التأويلين : فقوله سبحانه : { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } إِنما هي عبارةٌ عن جَمْع ذلك ، وضَمه ، وتأليف أشتاته ، وتكاثُفِه بٱلاجِتماعِ ، ويَرْكُمُهُ ؛ في كلام العرب : يُكَثِّفه ؛ ومنه { سَحَـابٌ مَّرْكُومٌ } [ الطور : 44 ] وعبارة البخاريِّ : فيركمه : فَيَجْمَعه . انتهى . وقوله سبحانه : { إِن يَنتَهُواْ } ، يعني : عن الكفر ، { يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ } ؛ لأن الإِسلام يجُبُّ ما قبله ، و { إِن يَعُودُواْ } ، يريدُ بِهِ : إِلى القِتَالِ ، ولا يصحُّ أن يُتَأَوَّل : وإن يعودوا إِلى الكُفْرِ ؛ لأنهم لم ينفصلوا عنه . وقوله : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ ٱلأَوَّلِينَ } : عبارةٌ تجمَعُ الوعيدَ والتهديدَ والتمثيلَ بمَنْ هَلَكَ من الأمم في سالف الدَّهْرِ بعذاب اللَّه ؛ حين صدَّ في وَجْهِ نبيِّه بمَنْ هلك في يَوْمِ بَدْرٍ بسيف الإسلام . وقوله سبحانه : { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } قال ابنُ عباس ، وابن عمر ، وغيرهما : الفِتْنَةُ : الشِّرْكُ . قال * ع * : وهذا هو الظاهر ، ويفسِّر هذه الآيةَ قولُه صلى الله عليه وسلم : " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لاَ إِلٰهَ إِلاَّ اللَّه " الحديث . وقال ابن إِسحاق : معناها : حتَّى لا يفتن أحَدٌ عن دينهِ ؛ كما كانت قريشٌ تَفْعَلُ بمكَّة بمن أَسْلَمَ . وقوله : { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ } ، أيْ : لا يُشْرَكَ معه صَنَمٌ ، ولا وَثَنٌ ، ولا يُعْبَدَ غيرُهُ سبحانه ، ثم قال تعالَى : { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } ، عن الكفر ، { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } بِعَمَلِهم ، مُجَازٍ عليه ، عنده ثوابه ، وجميلُ المقارضة عليه . وقوله سبحانه : { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } : معادلٌ لقوله : { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } ، المعنى : وإِن تولَّوا ، ولم ينتهوا ، فٱعلموا أن اللَّه تعالَى ينصُرُكُمْ عليهم ، وهذا وعدٌ مَحْضٌ بالنصْرِ والظَّفرِ ، و { ٱلْمَوْلَىٰ } ؛ هاهنا ٱلمُوَالى والمُعِينُ ، والمَوْلَى في اللغة على معانٍ ، هذا هو الذي يليقُ بهذا الموضعِ منها ، والمَوْلَىَ : الذي هو السيِّد المقترنُ بالعَبْدِ يعمُّ المؤمنين والمشركين .