Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 41-44)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله عزّ وجل : { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ … } الآية : الغنيمةُ ؛ في اللغة : ما يناله الرجلُ بسَعْيٍ ؛ ومنه صلى الله عليه وسلم : " الصِّيَامُ في الشِّتَاءِ هِيَ الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ " ، وقوله : { مِّن شَيْءٍ } : ظاهرة العمومُ ، ومعناه الخصوصُ ، فأَمَّا النَّاضُّ والمتاعُ والأطفال والنساء وما لا يؤكل [ لحمه ] من الحيوان ويَصِحُّ تملُّكه ، فالإِمام يأخذ خُمْسُهُ ، ويَقْسِمُ الباقي في الجيش ، وأما الأرضُ ، فقال فيها مالكٌ : يقسمها الإِمام ؛ إِن رأَىٰ ذلك صواباً ؛ كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ ، أَوْ لاَ يَقْسِمُها ، بل يتركها لنوائب المسلمينَ ؛ إن أداه ٱجتهادُهُ إلى ذلك ؛ كما فعل عُمَرُ بنُ الخطَّاب رضي اللَّه عنه بِأَرْضِ مِصْرِ وبسَوَادِ الكَوفة ، وأمَّا الرجالُ ، ومَنْ شارف البُلُوغ من الصِّبْيان ، فالإِمام ؛ عند مالك وجمهور العلماء ، مُخَيَّرٌ فيهم علَى خمسة أوجه : منها : القتل ، وهو مستَحْسَنٌ في أهْل الشجاعة والنِّكَاية . ومنها : الفداءُ ، وهو مستحسنٌ في ذي المَنْصب الذي ليس بشُجَاع ولا يُخَاف منه رأْي ومَكِيدَة ؛ لانتفاع المسلمين بالمَال الذي يؤخَذُ منه . ومنها : المَنُّ ، وهو مستحْسَنٌ فيمن يرجَىٰ أنْ يحنو على أَسْرَى المسلمين ، ونحو ذلك من القرائن . ومنها : ٱلاسترقاقُ . ومنها : ضَرْبُ الجزية ، والتَّرْكُ ، في الذِّمَّة . وأما الطعام ، والغَنَمْ ، ونَحْوَها ممَّا يؤكل ، فهو مباحٌ في بلد العدو أكله ، وما فَضَل منه كان في المَغْنَم . ومحلُّ ٱستيعاب فُرُوعِ هذا الفَصْل كُتُب الفقه . وقوله سبحانه : { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } ، أي : من النصرَ والظهور الذي أنزله اللَّه سبحانه يَوْمَ بَدْر ، ويحتمل أن تكون الإِشارة إِلى قرآن نزَلَ يوْمَ بدر ، أو في قصَّة يوم بَدْر ، ويوم الفُرْقَان : معناه : يَوْمُ الفَرْقِ بين الحقِّ والباطل ؛ بإِعزاز الإِسلام وإِذلالِ الشرك ، والجَمْعَانِ : يريد : جَمْعَ المسلمين وَجَمْعَ الكُفَّار ، وهو يوم بَدْر ، ولا خلاف في ذلك . وقوله سبحانه : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، يَعْضُدُ أَنَّ قوله : { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } ، يراد به النصْرُ والظَّفْر ، أي : الآيات والعظائم مِنْ غلبة القليلِ للكثيرِ ، وذلك بقدرة اللَّه عَزَّ وجَلَّ الذي هو عَلَى كلِّ شيء قدير . وقوله سبحانه : { إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ } ، العُدْوَة : شفيرُ الوادِي ، وحَرْفُهُ الذي يتعذَّرُ المَشْيُ فيه بمنزلة رَجَا البئْر ؛ لأنها عَدَتْ ما في الوادِي من ماء ونحوه ؛ أن يتجاوز الوادِيَ ، أي : منعته ؛ ومنه قول الشاعر : [ الوافر ] @ عَدَتْنِي عَنْ زِيَارَتِكِ العَوَادِي وَحَالَتْ دُونَهَا حَرْبٌ زَبُون @@ وقرأ ابنُ كَثِير ، وأبو عمرو : { بِالعِدْوَة } - بِكَسْرِ العين - ، وقوله : { ٱلدُّنْيَا } ، و { ٱلْقُصْوَىٰ } ، إِنَّما هو بالإِضافة إِلى المدينة ، وبين المدينة ووادِي بَدْر موضعُ الوقعة مَرْحَلتان ، والدُّنْيَا : من الدُّنُوِّ ، والقُصْوَىٰ : منِ القُصُوِّ ، وهو البُعْد ، { وَٱلرَّكْبُ } ، بإِجماعٍ من المفسِّرين : عِيرُ أبي سفيان ، وقوله : { أَسْفَلَ } ، في موضع خَفْض ، تقديره : في مكان أَسْفَلَ كَذَا . قال سِيبَوَيْهِ : وكان الرَّكْبُ ، ومُدَبِّر أمره أبو سفيانَ بْنُ حَرْب ، قد نَكَبَ عن بَدْر حين نَذَرَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وأخَذَ سيْفَ البَحْرِ ، فهو أَسْفَلُ ؛ بالإِضافة إِلى أَعلى الوَادِي . وقوله سبحانه : { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَـٰدِ } ، المَقْصدُ من الآية : تَبْيينُ نعمة اللَّه سُبْحانه في شأنِ قِصَّة بَدْر ، وتيسيره سُبْحانه ما يَسَّر من ذلك ، والمَعنَى : لو تواعدتم ، لاختلفتم في الميعادِ بَسَببِ العوارِضِ التي تَعْرضُ للناس ، إِلاَّ مع تيسير اللَّه الذي تَممَّ ذلك ، وهذا كما تقولُ لصاحبك في أمْر سَنَاهُ اللَّه تعالى دونَ تَعَبٍ كثير : لَوْ بَنَيْنَا عَلَى هَذَا ، وسَعَيْنَا فِيهِ ، لَمْ يَتِمَّ هَكَذَا ، { وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } ، أي : لينفِّذَ ويُظْهِر أمراً قد قدَّره في الأزل مفعولاً لكم ؛ بشرط وجودكم في وَقْتِ وجودِكُمْ ، وهذا كلُّه معلومٌ عنده عزَّ وجلَّ لم يتجدَّد له به علْمٌ ، وقوله عزَّ وجلَّ : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } ، قال الطبريُّ : المَعنى : ليُقْتَلَ من قُتِلَ من كفَّار قريش وغيرهم ؛ ببيانٍ مِنَ اللَّه وإِعذارٍ بالرسالة ، ويَحْيَا أيضاً ويعيشَ مَنْ عاش ؛ عن بيانٍ منْه أيضاً وإِعذار ؛ لا حجة لأحد عليه سبحانه . * ت * : قال أبو عمر بنُ عَبْدِ البَرِّ في كتاب « فضل العلْمِ » في قوله عز وجلَّ : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ … } الآية : البيِّنة : ما بان به الحقُّ . انتهى . وقال ابنُ إِسْحَاق وغيره : معنى « لِيَهْلِكَ » ، أيْ : لِيَكْفُرَ ، و « يَحْيَا » أي : ليؤمنَ ؛ فالحياةُ والهلاكُ على هذا التأويل : مستعارتان . وقوله سبحانه : { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً … } الآية : وتظاهرتِ الرواياتُ ؛ أن هذه الآية نزلَتْ في رُؤْيَا رآها رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رأَىٰ فيها عَدَدَ الكُفَّار قليلاً ، فأَخبر بذلك أصحابه ، فقَوِيَتْ نفوسُهم ، وحَرِصُوا على اللقاء ؛ قاله مجاهد وغيره ، والظاهر أنه رآهم صلى الله عليه وسلم في نومه قليلاً قَدْرُهُم وبأْسُهم ، ويحتمل أنه رآهم قليلاً عدَدُهم ، فكان تأويلُ رؤياه ٱنْهِزَامَهُمْ ، والفَشَلُ : الخَوَرُ عن الأمر ، و { لَتَنَازَعْتُمْ } ، أي : لتخالَفْتم في الأمر ، يريد : في اللقاءِ والحَرْبِ . و { سَلَّمٌ } : لفظ يعمُّ كلَّ متخوَّف . وقوله سبحانه : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ … } الآية : ، وهذه الرؤية هي في اليقظة بإِجماع ، وهي الرؤية التي كانَتْ حين ٱلّتَقَوْا ، ووقعتِ العَيْنُ على العين ، والمعنَى : أن اللَّه تعالَى ؛ لَمَا أراده من إِنفاذ قضاءه في نُصْرة الإِسلام وإِظهار دِينِهِ ، قَلَّلَ كُلَّ طائفةٍ في عُيُونِ الأخرَى ، فوقع الخَلَلُ في التخمينِ والحَزْرِ الذي يستعمله الناسُ في هذا ؛ لتَجْسُرَ كلُّ طائفة على الأخرَى ، وتتسبَّب أسبابُ الحَرْب ، والأمر المفعولُ المذكورُ في الآيتين هو القصَّة بأجمعها . وقوله : { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } : تنبيهٌ علَى أن الحَوْلَ بأجمعه للَّه ، وأنَّ كلَّ أمّرٍ ، فَلهُ وإِليه .