Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 48-48)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } ، الضمير في { لَهُمْ } عائدٌ على الكُفَّار ، و { ٱلشَّيْطَـٰنُ } : إبليس نفْسُه ، والذي عليه الجمهورُ ، وتظاهرَتْ به الرواياتُ أن إبْلِيسَ جاء كُفَّار قريشٍ ، ففي « السِّيَر » لابن هشامٍ : أنه جاءهم بمكَّة ، وفي غيرها : أنَّه جاءهم ، وهُمْ في طريقهم إِلى بَدْرٍ ، وقد لحقهم خَوْفٌ من بني بَكْر وكِنَانَةَ ؛ لحروبٍ كانَتْ بينهم ، فجاءهم إِبليس في صورة سُرَاقَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جُعْشُم ، وهو سيِّد مِنْ ساداتهم ، فقال لهم : { إِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } ، ولن تخافوا من قومي ، وهم لكُمْ أعوانٌ على مَقْصِدِكم ، ولَنْ يغلبكم أحدٌ ، فروي أنه لما ٱلْتَقَى الجمعانِ ، كانَتُ يده في يدِ الحَارِثِ بن هشام ، فلما رأَى الملائكَةَ ، نَكَصَ ، فقال له الحارثُ : أَتَفِرُّ يا سُرَاقَةُ ؟ ! فلم يَلْو عَليه ، وَيُرْوَىٰ أَنه قال له ما تضمَّنته الآيةُ ، وروي أن عُمَيْرَ بْنَ وهبٍ ، أو الحارثِ بْنَ هشامٍ قال له : أَيْنَ يا سُرَاقُ ؟ فلم يَلْوِ مِثْلَ عَدُوِّ اللَّه ، فذهبَ ، ووقعتِ الهزيمة ، فتحدَّثوا أنَّ سُرَاقَةَ فَرَّ بالنَّاسِ ، فبلغ ذلك سُرَاقَةَ بْنَ مالك ، فأتى مكَّة ، فقال لهم : واللَّه ، ما عَلِمْتُ بشيء منْ أمركم حتى بَلَغَتْني هزيمَتُكُمْ ، ولا رأْيْتُكُم ، ولا كُنْتُ معكم . * ت * : قال ابنُ إسحاق : ذكر لي أنهم كانوا يرونه في كلِّ مَنْزِلٍ في صُورَة سُرَاقَة لا يُنْكِرُونه حتَّى إِذا كان يَوْمُ بَدْر ، وٱلتَقَىٰ الجمعان ، نكَصَ عدوُّ اللَّه على عَقِبَيْه ، فأوردهم ثُمَّ أَسلمهم . انتهى من « السيرة » لابن هشام . وقوله : { إِنِّي جَارٌ لَكُمْ } أي : أنتم في ذمَّتي وحِمَائي ، و « تراءت » : تفاعلَتْ من الرؤية ، أي : رأى هؤلاءِ هؤلاءِ . قوله : { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } ، أي : رَجَعَ من حيث جاء ، وأصْل النُّكُوص ؛ في اللغة : الرجوعُ القَهْقَرَى . وقوله : { إِنِّي أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } ، يريد : الملائكةَ ، وهو الخبيثُ ، إِنما شرط أَنْ لاَ غَالِبَ لهم من الناس ، فلما رأَى الملائكة ، وخَرْقَ العادةِ ، خَافَ وَفَرَّ . وقوله : { إِنِّي أَخَافُ ٱللَّهَ } ، قال الزَّجَّاج وغيره : خافَ ممَّا رأَى مِنَ الأمر ، وهَوْلِهِ ؛ أنَّه يومُهُ الذي أُنْظِرَ إِليه ؛ ويقوِّي هذا أَنه رأَى خَرْقَ العادةِ ، ونزولَ الملائكةِ للحَرْب .