Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 45-47)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ … } الآية : هذا أَمْرٌ من اللَّه سبحانه بما فيه داعيةُ النَّصْر ، وسبَبُ العزِّ ، وهي وصيَّة منه سبحانه بِحَسَبِ التقْييد الذي في آية الضَّعْفِ ، والفِئَةُ الجماعة ، أصلها : « فِئَوَة » ، وهي مِنْ : « فأَوْتُ » ، أي : جمعتُ ، ثم أمر سبحانه بإِكثار ذكْره هناك ؛ إِذ هو عصمةُ المستنجد ، وَوَزَرُ المستعين . قال قتادة : افترض اللَّه ذِكْرَهُ عند ٱشْغَلِ ما يكونُ ؛ عنْدَ الضرِّاب والسُّيوف . قال * ع * : وهذا ذِكْرٌ خفيٌّ ؛ لأن رَفْعَ الصَّوْت في موطن القتَال رديءٌ مكروهٌ ؛ إِذا كان ألغاطاً ، فأما إِن كان من الجميعِ عند الحَمْلة ، فَحَسَنٌ فَاتٌّ في عَضُد العَدُوِّ ؛ قال قيسُ بْنُ عُبَادٍ : كان أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم يكرهُونَ الصَّوْت عند ثلاثٍ ؛ عند قراءة القُرآن ، وعند الجنازة ، وعنْدَ القتال ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " ٱطْلُبُوا إِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ القِتَالِ ، وإِقَامَةِ الصَّلاَةِ ، ونُزُولِ الغَيْثِ " وكان ابن عباس يُكْرَه التلثُّم عنْدَ القتالِ . قال النَّوويُّ : وسُئِلَ الشيخُ أبو عَمْرِو بْنُ الصَّلاَحِ ، عن القَدْرِ الذي يصيرُ به المرء من الذَّاكرين اللَّهَ كثيراً ، فقال : إِذا واظب على الأَذْكَارِ المأثورة المُثْبَتَةِ ؛ صباحاً ومساءً ، وفي الأوقاتِ والأحوال المختلفة ؛ ليلاً ونهاراً - وهي مبيَّنةٌ في كتب « عمل اليوم والليلة » - كان من الذاكرين اللَّه كثيراً ؛ واللَّه سبحانه أعلم . انتهى من « الحلية » . * ت * : وأَحْسَنُ من هذا جوابُهُ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ : " سَبَقَ المُفْرِّدُون قَالُوا : « وَمَا المُفَرِّدُونَ ، يا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيراً والذَّاكِرَاتُ » " ، رواه مسلمٌ ، والترمذيُّ ، وعنده : « قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ، وَمَا المُفَرِّدُونَ ؟ قَالَ : المُسْتَهْتِرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ ؛ يَضَعُ عَنْهُمُ الذِّكْرُ أَثْقَالَهُمْ ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافاً » قال صاحب « سلاح المؤمنين » : المستَهْتِرُونَ في ذكْر اللَّهِ ، - هو بفتح التاءَيْنِ المُثَنَّاتَيْنِ ـــ يعني : الذي أُولِعُوا به ؛ يقال : ٱسْتُهْتِرَ فُلانٌ بكذا ، أي : أَولِعَ به ، واللَّه أعلم . انتهى . فقَد بيَّن صلى الله عليه وسلم هنا صفةَ الذاكرين اللَّه كثيراً ، وقد نقلنا في غير هذا المَحَلِّ بيانَ صفةَ الذاكرين اللَّه كثيراً ، بنحو هذا مِنْ طريق ابن المبارك ، وإِذا كان العبد مُسْتَهْتِراً بِذِكْرِ مولاه ، أَنِسَ به ، وأَحبَّه ، وأحبَّ لقاءه ؛ فلم يبال بلقاءِ العَدُوِّ ، وإِن هي إِلا إِحدى ٱلْحُسْنَيَيْنِ : إِما النصْرُ ؛ وهو الأغلب لمن هذه صفته ، أو الشهادةُ ؛ وذلك مناه ، ومطلبه . انتهى . و { تُفْلِحُونَ } : تنالون بغيتكم ، وتنالون آمالكم ، والجمهور علَى أن الرِّيحَ هنا مستعارةٌ . قال مجاهد : الرِّيح : النصْرُ والقوةُ ، وذَهَب رِيحُ أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم حينَ نازعُوه يَوْمَ أحد ، وقوله سبحانه : { وَٱصْبِرُواْ … } إلى آخر الآية : تتميمٌ في الوصية وِعدَةٌ مُؤْنِسَة ، وقوله سبحانه : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم … } الآية : الإشارة إِلى كفار قريش ، والبَطَر : الأَشَر وغَمْطُ النِّعْمة ، ورُوِيَ أن أبا سفيان ، لمَّا أحرز عِيَره ، بعث إِلى قريش ، وقال : إِن اللَّه قد سَلَّم عِيركُمْ ، فٱرجعوا ، فأتَى رأْي الجماعةِ علَى ذلك ، وخالَفَ أبو جَهْل ، وقال : واللَّهِ ، لاَ نَفْعَلُ حَتَّى نَأْتيَ بَدْراً - وكانَتْ بَدْرٌ سُوقاً من أسواقِ العَرَبِ لها يومُ موسمٍ ـــ فننحَرُ عليها الإِبلَ ، ونَشْرَب الخمر ، وتَعْزِفُ علينا القِيَانُ ، وتسمع بنا العربُ ، ويَهَابُنا النَّاسُ ، فهذا معنى قوله تعالى : { وَرِئَاءَ ٱلنَّاسِ } .