Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 55-59)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ عَـٰهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } ، أجمع المتأوِّلون ؛ أن الآية نزلَتْ في بني قُرَيْظَةَ ، وهي بَعْدُ تَعُمُّ كلَّ مَنِ اتصف بهذه الصفة إِلى يوم القيامة ، وقوله : { فِي كُلِّ مَرَّةٍ } : يقتضي أن الغَدْرَ قد تكرَّر منهم . وحديثُ قُرَيْظَةَ هو أنهم عاهَدٰوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ؛ على ألاَّ يحاربوه ، ولا يعينوا عَلَيْه عدوًّا من غيرهم ، فلمَّا ٱجتمعتِ الأحزاب على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ ، غَلَبَ على ظنِّ بني قريظة ؛ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مغلوبٌ ومستأصَلٌ ، وخَدَعَ حُيَيُّ بنُ أَخْطَبَ النَّضْرِيُّ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ القُرَظِيَّ صاحبَ عَقْد بني قريظة ، وعهْدِهِم ، فغدروا ووالوْا قريشاً ، وأمدُّوهم بالسِّلاح والأَدْرَاعِ ، فلما ٱنجلَتْ تلك الحالُ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمره اللَّه تعالَى بالخروج إِليهم وحَرْبِهم ، فٱستُنْزِلُوا ، وضُرِبَتْ أعناقهم بحُكْم سَعْدٍ ، وٱستيعابُ قصَّتهم في « السِّير » وإِنما ٱقتضبْتُ منها ما يخُصُّ تفسير الآية . وقوله سبحانه : { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ … } معنى { تَثْقَفَنَّهُمْ } تأسرهم ، وتحصِّلهم في ثِقَافِكَ ، أو تَلْقَاهم بحالٍ تقدرُ عليهم فيها ، وتغلبهم ، ومعنى : { فَشَرِّدْ } أي : طَرِّدْ ، وأبْعِدْ ، وخَوِّف . والشريدُ : ٱلْمبْعَدُ عن وطَنٍ ونحوه ، ومعنى الآية : فإِن أَسَرْتَ هؤلاءِ الناقضين في حربك لهم ، فٱفْعَلْ بهم من النقمة ما يكُونُ تشريداً لمن يأتي خلْفَهم في مثْلِ طريقتهم ، وعبارةُ البخاريِّ : « فَشَرَّدْ » فَرَّقَ . انتهى . والضمير في { لَعَلَّهُمْ } عائدٌ على الفرقة المشرَّدة ، وقال ابن عباس : المعنى : نكِّل بهم مَنْ خلفهم . وقالَتْ فرقة : معناه : سَمِّعْ بهم ، والمعنَى متقاربٌ ، ومعنى : { خَلْفَهُمْ } أي : بعدهم ، و { يَذَّكَّرُونَ } ، أيْ : يتعظون . وقوله سبحانه : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً … } الآية : قال أكثر المفسِّرين : إِن الآية في بني قُرَيْظة ، والذي يظهر من ألفاظ الآية أنَّ أَمْرَ بني قريظة قد ٱنقَضَى عند قوله : { فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ } ، ثم ابتدأ تبارَكَ وتعالَى في هذه الآية بما يَصْنَعُهُ في المستقبل ، مع مَنْ يخافُ منه خيانةً إِلى آخر الدهر ، وبَنُو قريظة لم يَكُونوا في حَدِّ مَنْ تُخَافُ خيانته ، وقوله : { فَٱنبِذْ إِلَيْهِمْ } ، أي : أَلْقِ إِليهم عَهْدهم ، وقوله : { عَلَىٰ سَوَاءٍ } ، قيل : معناه : حتى يكونَ الأمْرُ في بيانِهِ والْعِلْمِ به ، عَلَىٰ سواءٍ منْكَ ومنهم ؛ فتكُونُونَ في ٱستشعار الحَرْب سواءً ، وذَكَرَ الفَرَّاء ؛ أن المعنَى : فٱنْبذْ إليهم على ٱعتدالٍ وسواءٍ من الأمر ، أي : بَيِّنْ لهم على قَدْر ما ظهر منهم ، لا تُفَرِّطْ ، ولا تَفْجَأْ بحربٍ ، بل ٱفعلْ بهم مِثْلَ ما فعلوا بك ، يعني : موازنةً ومقايسةً ، وقرأ نافع وغيره : « وَلاَ تَحْسَبَنَّ » - بالتاء - مخاطبةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، و { سَبَقُواْ } : معناه : فَاتُوا بأنفسهم وأنْجَوْهَا ، { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } أي : لا يُفْلِتُونَ ، ولا يُعْجِزُونَ طالبهم ، ورُوِيَ أن الآية نزلَتْ فيمن أَفْلَتَ من الكفَّار في بَدْرٍ وغيره فالمعنى : لا تظنَّهم نَاجِينَ ، بل هم مُدْرَكُون ، وقرأ حمزة وغيره : « ولا يَحْسَبَنَّ » - بالياء مِنْ تَحْتُ ، وبفتحِ السين .