Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-69)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله سبحانه : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ … } الآية : قال * ع * : هذه آية تتضمَّن عندي معاتَبةً مِنَ اللَّه عزَّ وجلَّ لأصحاب نبيِّه عليه السلام والمعنى : ما كان ينبغي لكُمْ أَنْ تفعلوا هذا الفعْلَ الذي أوْجَبَ أن يكون للنبيِّ أَسْرَى قبل الإِثخان ؛ ولذلك استمرَّ الخطابُ لهم بـــ { تُرِيدُونَ } والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر بٱستبقاءِ الرِّجَالِ وقْتَ الحَرْبِ ، ولا أراد صلى الله عليه وسلم قَطُّ عَرَضَ الدنيا ، وإِنما فعله جمهورُ مُبَاشِرِي الحَرْبِ ، وجاء ذكْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الآية ؛ مشيراً إِلى دخوله عليه السلام في العَتْبِ ؛ حين لم يَنْهَ عن ذلك حين رآه من العَرِيشِ ، وأنْكَره سعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، ولكَنَّه صلى الله عليه وسلم شَغَلَهُ بَغْتُ الأمر ، وظهورُ النصر ؛ عن النهْي ومَرَّ كثيرٌ من المفسِّرين ؛ على أنَّ هذا التوبيخَ إنما كان بسبب إشارة مَنْ أشار على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ بأخذ الفدْيَةِ ، حين ٱستشارهم في شأن الأَسرَى ، والتأويل الأول أَحْسَنُ ، والإِثخانُ : هو المبالغةُ في القَتْل والجراحةِ ، ثم أمر مخاطبة أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } ، أي : مالها الذي يعز وَيَعْرِضُ ، والمراد : ما أُخِذَ من الأَسْرَىٰ من الأموال ، { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلأَخِرَةَ } ، أيْ : عمل الآخرة ، وذكَر الطبريُّ وغيره ؛ أن رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّاس : " إِنْ شِئْتُمْ ، أَخَذْتُمْ فِدَاءَ الأسرى ، وَيُقْتَلُ مِنْكُمْ في الحَرْبِ سَبْعُونَ عَلَىٰ عَدَدِهِمْ ، وإِنْ شِئْتُمْ ، قُتِلُوا وَسَلِمْتُمْ ، فَقَالُوا : نَأْخُذُ المَالَ ، وَيُسْتَشْهَدُ مِنَّا " ، وذكر عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بسنده ؛ أَنَّ جبريلَ نَزَلَ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بتخْيِيرِ النَّاسِ هكذا ؛ وعَلَى هذا ، فالأمر في هذا التخيير مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فإِنه إِعلامٌ بغيب ، وإِذا خُيِّروا رضي اللَّه عنهم ، فكيف يقع التوبيخُ بعدُ بقوله تعالى : { لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ؛ فهذا يدُّلك على صحَّة ما قدَّمناه ، أنَّ العتب لهم إِنما هو على استبقاءِ الرجالِ وقْتَ الهزيمةِ ؛ رغبةً في أخْذ المال ، وهو الذي أقولُ به ، وذكر المفسِّرون أيضاً في هذه الآيات تحليلَ المَغَانِمِ ، ولا أَقولُ ذلك ؛ لأن تحليل المغانم قد تقدَّم قبْل بَدْرٍ في السَّرِيَّة التي قُتِلَ فيها ابْنُ الحَضْرَمِيِّ ، وإِنما المُبْتَدَعُ في بَدْرٍ ٱستبقاءُ الرِّجَال ؛ لأجل المال ، والذي مَنَّ اللَّه به فيها : إِلحاق فدية الكافر بالمغانمِ التي تقدَّم تحليلها ، وقوله سبحانه : { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ … } الآية : ، قال ابن عبَّاس ، وأبو هريرة ، والحَسَن ، وغيرهم : الكِتَابُ : هو ما كان اللَّه قَضَاهُ في الأَزَلِ مِنْ إِحلالِ الغنائمِ والفداءِ لهذه الأمة ، وقال مجاهد وغيره : الكتابُ السابق : مغفرةُ اللَّهِ لأهْلِ بدر ، وقيل : الكتاب السابقُ : هو ألاَّ يعذب اللَّه أحداً بذَنْبٍ إِلا بعد النَّهْيِ عنه ، حكاه الطبريُّ . قال ابنُ العربيِّ في « أحكام القُرآن » : وهذه الأقوالُ كلُّها صحيحةٌ ممكنَةٌ ، لكن أقواها ما سبق مِنْ إِحلال الغنيمة ، وقد كانوا غَنِمُوا أوَّلَ غنيمةٍ في الإِسلام حينَ أرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّه بْنَ جَحْش . انتهى ، ورُوِيَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لَوْ نَزَلَ في هَذَا الأَمْرِ عَذَابٌ ، لَنَجَا مِنْهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب » ، وفي حديث آخر : « وسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ » ؛ وذلك أن رأيهما كان أنْ تُقْتَلَ الأَسْرَى ، وقوله سبحانه : { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ … } الآية : نصٌّ عَلَى إِباحة المال الذي أُخِذَ من الأسْرَى ، وإِلحاقٌ له بالغنيمة التي كان تقدَّم تحليها .