Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 5-14)
Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هَلْ فِى ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } أي : هل في هذه الأقسامِ مُقْنِعٌ لذي عقل ؟ ثم وقَفَ تعالى عَلى مصارِعِ الأُمَمَ الخاليةِ « وعاد » : قبيلة بِلاَ خلافٍ ، واختلفَ في : « إرَمِ » فقال مجاهدٌ : هي القبيلةُ بعَيْنِها ، وقال ابن إسحاق : إرم : هو أبو عادٍ كلِّها ، وقال الجمهور : إرم : مدينةٌ لهم عظيمةٌ كانَتْ عَلَى وجهِ الدَّهْرِ باليَمَنِ ، واخْتُلِفَ في قوله تعالى : { ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } فمن قال : إرم مدينةٌ قال : العمادُ أَعْمِدَة الحجارةِ التي بُنِيَتْ بها ، وقيلَ القُصورُ العالية ، والأبراجُ يقال لها عِمَادٌ ، ومَنْ قَال إرم قبيلةٌ قال : العماد إما أَعْمِدَةُ بنيانهم ، وإما أَعْمِدَةُ بيوتِهم التي يَرْحَلُونَ بها ؛ قاله جماعةٌ والضميرُ في { مِثْلُهَا } يعودُ إما على المدينةِ وإما على القبيلةِ . و { جَابُواْ ٱلصَّخْرَ } معناه : خَرَقُوه ونَحَتُوه ، وكَانُوا في وادِيهم قد نَحَتُوا بيوتَهم في حجارةٍ ، و { فِرْعَوْنَ } هو فِرْعَونُ مُوسىَ ، واختلِفَ في أوتادهِ فقيل : أبنيتُه العاليةُ ، وقيلَ جنودُه الذينَ بهم يُثَبِّتُ ملكَه ، وقيل المرادُ أوتادُ أخبيةِ عساكرهِ ، وذُكِرَتْ لكثرتِها ؛ قاله ابن عباس ، وقال مجاهد : كان يُوتِدُ الناس بأوتادِ حديدٍ ، يَقْتلُهُم بذلك : يَضْرِبُها في أَبْدَانِهمْ حَتَّى تنْفُذَ إلى الأرضِ ، وقيلَ : غيرُ هذا ، والصَّبُّ مستعملٌ في السوطِ وإنما خُصَّ السوطُ بأنْ يُسْتَعَارَ للعذابِ ؛ لأنه يقتضِي من التَّكْرارِ والتَّرْداد ما لا يقتضيه السيفُ ، ولاَ غيرُه وقال بعض اللَّغويينَ : السَّوْطُ هنا مصدرٌ من سَاطَ يَسُوطُ إذَا خَلَطَ فكأَنه قال خَلْطُ عَذَابٍ . * ص * : قال ابن الأنباري : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } هُو جوابُ القَسَمِ ، وقيل : محذوفٌ ، وقيل : الجوابُ : { هَلْ فِى ذَلِكَ } و { هَلْ } بمعنى « إنّ » وليس بشيء ، انتهى ، و { المِرْصَادُ } والمَرْصَدُ : مَوْضِعُ الرَّصْدِ ، قاله بعض اللغويين ، أي : أَنَّه تعالى عنْدَ لسانِ كل قائلٍ ومَرْصَدٍ لكلِّ فاعلٍ ، وإذا عَلِمَ العبدُ أَنَّ مولاه له بالمرصادِ ودَامَتْ مراقبتُه في الفؤادِ ، حَضَره الخوفُ والحذُر لا محالةَ ، { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى أَنفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ } [ البقرة : 235 ] قال أبو حامد في « الإحياء » : وبحسبِ معرفةِ العبد بِعيوبِ نفسهِ ، ومعرفتهِ بجلالِ ربه وتعالِيه واستغنائِه ، وأنه لا يُسْأَلُ عما يفعلُ ؛ تَكُونُ قوةُ خوفِه ، فأخوفُ الناسِ لربه أعرفُهم بنفسِهِ وبربهِ ، ولذا قَال صلى الله عليه وسلم : " أنا أخوفُكم للَّه " ، ولذلكَ قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] ثم إذا كَمُلَتِ المعرفةُ أورثتِ الخوفَ واحْتراقَ القلبِ ، ثم يُفِيضُ أَثَرُ الحُرْقَةِ من القلبِ على البَدَنِ فَتَنْقَمِعُ الشهواتُ ، وتحترقُ بالخوفِ ، ويحصُلُ في القلب الذبولُ والخشوعُ والذِّلَةُ والاستكانةُ ، ويصيرُ العبدُ مستوعبَ الهَمِّ بخوفِه والنظرِ في خطرِ عاقبتِه ؛ فلا يتفرغُ لغيرهِ ، ولا يكونُ له شُغْل إلا المراقَبَة والمحاسبَة والمجاهدَة والضِّنَّة الأنْفَاسِ واللحظاتِ ، ومؤاخَذَةِ النفسِ في الخَطَراتِ والخُطُواتِ والكلماتِ ، ثم قال : واعْلَمْ أنه لاَ تَنْقَمِعُ الشهواتُ بشيءٍ كما تنقمع بنَارِ الخَوْفِ ، انتهى .