Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 36-36)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } ، هذه الآيةُ والتي بعدها تتضمَّن ما كانت العربُ عليه في جاهليَّتها من تحريم شُهُورِ الحلِّ ، وتحليلِ شهورِ الحُرْمَةَ ، وإِذا نصَّ ما كانت العرب تفعله ، تبيَّن معنى الآيات ، فالذي تظاهرَتْ به الرواياتُ ، ويتخلَّص من مجموع ما ذَكَره النَّاسُ : أن العرب كانَتْ لا عَيْشَ لأكْثَرها إِلا من الغارات وإِعمالِ سِلاَحِها ، فكانوا إِذا توالَتْ عليهم حُرْمَةُ الأشهر الحُرُمِ ، صَعُبَ عليهم ، وأَمْلقوا وكان بنو فُقَيْمٍ من كِنانة أهْلَ دينٍ في العرب ، وتَمَسُّكٍ بشرعِ إبراهيمَ عليه السلام ، فٱنتدب منهم القلمس ، وهو حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ فُقَيْمٍ ، فنَسِيَ الشهورَ للعربِ ، ثم خَلَفَهُ عَلَى ذلك بنوه ، وذكر الطبريُّ وغيره ؛ أن الأمر كان في عدوانٍ قبل بني مالكِ بن كنانةً ، وكانتْ صورة فعلهم : أن العرب كانَتْ إِذا فرغَتْ من حَجِّها ، جاء إِليه مَنْ شاء منهم مجتمعين ، فقالوا : أَنْسَانَا شَهْراً ، أيْ : أخّرْ عنا حرمةَ المُحَرَّم ، فٱجعلها في صَفَرٍ ، فيحلُّ لهم المُحَرَّمَ ، فيغيرون فيه ، ثم يلتزمُونَ حُرْمَةَ صَفَرٍ ؛ ليوافقوا عدَّة الأشهرِ الحُرُمِ الأربعة قال مجاهد : ويسمُّون ذلك الصَّفَرَ المُحرَّم ، ثم يسمون ربيعاً الأوَّل صفراً وربيعاً الآخِرَ ربيعاً الأَوَّل ، وهكذا في سائِرِ الشهورِ ، وتجيء السنةُ مِنْ ثلاثةَ عَشَرَ شهراً أولها : المحرَّم المُحَلَّل ، ثم المحرَّم الذي هو في الحقيقة صَفَرٌ ، وفي هذا قال اللَّهُ عزَّ وجَلَّ : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } ، أيْ : ليستْ ثلاثةَ عَشَرَ ، ثم كانَتْ حِجَّةُ أبي بَكْرٍ في ذي القَعْدة حقيقةً ، وهم يسمُّونه ذَا الحِجَّة ، ثم حَجَّ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ عَشْرٍ في ذي الحِجَّة حقيقةً ، فذلك قوله عليه السلام : " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ ٱسْتَدَارَ كَهَيْئتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمٰوات وَالأَرْضِ ؛ السَّنَةُ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ : ذُو القَعْدَةِ ، وذُو الحِجَّة والمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَان " . وقوله في { كِتَـٰبِ ٱللَّهِ } ، أَيْ : فيما كتبه ، وأثبته في اللَّوْحِ المحفوظ ، أو غيرِهِ ، فهي صفةُ فِعْلٍ مثل خَلْقِهِ وَرِزْقِهِ ، وليستْ بمعنى قضاءه وتقديره ؛ لأن تلكَ هي قَبْلَ خلْق السموات والأرض . وقوله سبحانه : { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } : نصٌّ على تفضيلِ هذه الأربعة وتشريفها ، قال قتادة : « ٱصطفى اللَّه مِنَ الملائكةِ والبَشَرِ رُسُلاً ، ومِنَ الشَهور المُحَرَّمَ ورمَضَانَ ، ومِنَ البُقَعِ المساجَدِ ، ومِنَ الأيام الجمعةَ ، ومِنَ الليالِي ليلةَ القَدْرِ ، ومِنَ الكلام ذِكْرُهُ ، فينبغي أَنْ يعظَّم ما عَظَّمُ اللَّه » . وقوله سبحانه : { ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } ، قالتْ فرقة : معناه : الحسابُ المُسْتَقيم ، وقال ابن عباس ، فيما حكى المَهْدَوِيُّ : معناه : القضاءُ المستقيم . قال * ع * : والأصوب عندي أنْ يكون { ٱلدِّينِ } ههنا عَلَى أشهر وجوهه ، أي : ذلك الشَّرْعُ والطَّاعة . وقوله : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ } ، أي : في ٱلاثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً ، أي : لا تظلموا أنفسكم بالمعاصي في الزمان كلِّه ، وقال قتادة : المرادُ الأربعةُ الأشْهُرِ ، وخُصِّصتْ تشريفاً لها . قال سعيدُ بن المسيِّب : كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحرِّم القتَالَ في الأشْهُرِ الحُرُم ؛ بما أنزل اللَّه في ذلك ؛ حتَّى نزلَتْ « براءة » . وقوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } ، معناه : فيهنَّ فأحْرَى في غيرهن ، وقوله : { كَافَّةً } ، معناه : جميعاً .