Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 73-74)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله سبحانه : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ } : أي : بالسيف و { ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } ، أي : باللسان والتعنيفِ وٱلاكْفِهْرَارِ في الوجْه ، وبإِقامة الحدود عليهم . قال الحَسَن : وأكثر ما كَانَتِ الحدودُ يومئذٍ تصيبُ المنافقين ، ومذْهَبُ الطبريِّ ؛ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم ويسترهم ، وأما قوله : { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ، فلفظةٌ عامَّة في الأفعال والأقوال ، ومعنى الغِلَظِ : خَشَنُ الجانب ، فهو ضدُّ قوله تعالى : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 215 ] ، وقولُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ … } الآية ، نزلَتْ في الجُلاَسِ بْنِ سُوَيْدٍ ، وقوله : لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ محمَّد حقًّا ، لَنَحْنُ شر مِنَ الحُمُر ، فسمعها منه رَبِيبُهُ أو رَجُلٌ آخر ، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فجاء الجُلاسُ ، فَحَلَفَ باللَّه ؛ مَا قالَ هذه الكلمة ، فنزلَتِ الآية ، فكلمة الكُفْر : هي مقالته هذه ؛ لأن مضمنها قَوِيٌّ في التكذيب ، قال مجاهد : وقوله : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } : يعني : أنَّ الجُلاَس قد كان هَمَّ بقَتْل صاحبه الذي أخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة : نزلَتْ في عبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبيٍّ ٱبْنِ سَلُولَ ، وقوله في غزوة المُرَيْسِيعِ : مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلاَّ كَمَا قَالَ الأَوَّلُ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ، و { لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] ، فبلَغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فوقفه ، فَحَلفَ أَنَّه لم يقُلْ ذلك ، فنزلَتِ الآية مكذِّبة له . * ت * : وزاد ابن العربيِّ في « أحكامه » قولاً ثالثاً ؛ أنَّ الآية نزلَتْ في جماعة المنافقين ؛ قاله الحسن ، وهو الصحيحُ ؛ لعموم القول ووجود المعنَى فيه ، وفيهم ، انتهى . وحدَّث أبو بَكْرٍ بْنُ الخَطِيبِ بسنده ، قال : سُئِلَ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الهَمِّ : أيؤاخَذُ به صاحِبُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِذَا كَانَ عَزْماً ؛ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قوله تعالى : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ … } الآية ، إِلى قوله : { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } ، فجعل عليهم فيه التَّوْبَةِ ، قال سفيانُ : الهَمُّ يسوِّد القلْبَ انتهى . قال * ع * : وعلى تأويل قتادة ، فالإِشارة بـــ { كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } إِلى تمثيل ابنِ أُبَيٍّ « سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ » . قال قتادة : والإِشارة بـــ { هَمُّواْ } إِلى قوله : { لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ } [ المنافقون : 8 ] . وقال الحَسَنُ : هُمَّ المنافِقُونَ من إِظهار الشرك ومكابرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بما لم ينالوا ، وقال تعالَى : { بَعْدَ إِسْلَـٰمِهِمْ } ، ولم يقل : « بعد إِيمانهم » ؛ لأن ذلك لم يتجاوزْ ألسنتهم . وقوله سبحانه : { وَمَا نَقَمُواْ إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ … } الآية : كأَنَّ الكلامَ ، وما نقموا إِلا ما حقُّه أنْ يُشْكَرَ ، وذُكِرَ رسولُ اللَّه في إِغنائهم منْ حَيْثُ كَثُرَتْ أموالهم من الغنائِمِ ، ورسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَبٌ في ذلك ، وعلى هذا الحَدِّ " قال عليه السلام للأنصارِ في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ : « كُنْتُمْ عَالَةً ، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ » " ، قال العراقيُّ : { نَقَمُواْ } : أي : أنْكَرُوا . وقال * ص * : { إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ } : إِنْ وصلْتَها : مفعولُ { نَقَمُواْ } : أي : ما كرهوا إِلا إِغْنَاء اللَّه إِياهم ، وقيل : هو مفعولٌ من أجله ، والمفعولُ به محذوفٌ ، أي : ما كرهوا الإِيمانَ إِلاَّ للإِغناء . انتهى . ثم فتح لهم سبحانَهُ بابَ التَّوْبةِ ؛ رفقاً بهم ولطفاً ، فروي أن الجُلاَسَ تَابَ من النفاقِ ، وقال : إِن اللَّه قَدْ تَرَكَ لي بَابَ التَّوْبَة ، فٱعْتَرَفَ وأخْلَصَ ، وحَسُنت توبته .