Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 14-19)

Tafsir: al-Ǧawāhir al-ḥisān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } إكمالٌ للتوبيخِ والوعيدِ بحسْبِ التوقيفاتِ الثَّلاثِ ، يَصْلُحُ مَعَ كلِّ وَاحدٍ منها ، * ت * : وفي قوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } مَا يُثِير الهِمَمَ الرَاكِدَةَ ، وَيُسِيلُ العيونَ الجَامِدَةَ ، ويَبْعَثُ على الحياء والمراقبةِ ، قال الغزالي : اعلمْ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ على ضميرِكَ ، ومشرفٌ على ظاهِرك وباطنِك ، فَتَأَدَّبْ أيها المسكينُ ظَاهِراً وباطِناً بين يديه سبحانه ؛ واجتهدْ أن لا يَرَاكَ حيثُ نَهَاكَ وَلاَ يَفْقِدُكَ حَيْثُ أَمَرَكَ ، ولاَ تَدَعْ عَنْكَ التفكرَ في قُرْبِ الأجلِ ، وحلولِ الموتِ القاطِع للأملِ ، وخروجِ الأمْرِ من الاختيَارِ ، وحصولِ الحَسْرَةِ والنَّدَامةِ بطُولِ الاغترارِ ، انتهى ، ثم توعَّده تعالى لَئِنْ لم ينتَهِ لَيُؤْخَذَنَّ بناصيتهِ ، فَيُجَرُّ إلَىٰ جَهَنَّمَ ذَلِيلاً ، تقول العربُ : سَفَعْتُ بِيَدِي ناصية الفَرَسِ ، والرَّجُلِ إذا جذبتُها مُذَلَّلَةً ، وقال بعض العلماء بالتفسير : معناه لتُحْرَقَنَّ ، من قولهم : سَفَعَتْه النارُ ، واكْتَفَى بذكرِ الناصيةِ لِدلالتِها على الوَجْهِ والرأْسِ ، والناصيةُ مُقَدَّمُ شَعْرِ الرأسِ ، ثم أبْدَل النكرةَ من المعرفة في قوله : { نَاصِيَةٍ كَـٰذِبَةٍ } ووصفَها بالكَذِبِ والخَطَإ من حيثُ هي صفاتٌ لصاحِبها . قوله : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } أي أهْلَ مَجْلَسِهِ ، والنَّادِي والنَّدي : المجلسُ ، ومنه دَارُ النَّدْوَةِ ، وقال البخاري قال مجاهد : نادِيَه : عشيرتَه . وقوله : { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } أي : ملائِكَة العَذابِ ، ثم قال ـــ تعالى ـــ لنبيه ـــ عليه السلام ـــ : { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ } أي : لا تَلْتَفِتْ إلى نَهْيِهِ وكلامِه و { ٱسْجُدْ } لربك و { ٱقْتَرِب } إليه بسجودِك ، وفي الحديث : " أَقْرَبُ ما يكونُ العبدُ من رَبّه إذا سَجَدَ ، فَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ في السجودِ ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُم " ، ورَوَى ابنُ وهب عَنْ جماعةٍ من أهل العِلم : أنّ قَوْلَه : { وَٱسْجُدْ } : خطابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وَأَن قَوْلَه : { وَٱقْتَرِب } : خطابٌ لأَبِي جَهْلٍ ، أي : إنْ كنت تَجْتَرِىءُ حتى تَرَى كَيْفَ تَهْلَكُ ، * ت * : والتأويلُ الأولُ أظهرُ ؛ يدلُ عليه قولُه صلى الله عليه وسلم : " أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجِدٌ " وعنْ ربيعة بن كعب الأسلميِّ قال : " كنتُ أبيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم فآتيهِ بِوَضُوئِهِ وحَاجَتِه ، فقال لي : سَلْ ؛ فقلتُ : أسألكَ مُرَافَقَتَكَ في الجنةِ ، قالَ أوَ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَال : فأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ " رواه الجماعة إلا البخاريَّ ، ولفظُ الترمذي : " كُنْتُ أَبِيتُ عِنْدَ بَابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُعْطِيهِ وَضُوءَهُ ، فَأَسْمَعُهُ الْهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ يقول : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَه ، وأَسْمَعُهُ الْهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ " ، قال الترمذيُّ : هٰذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ ، وليس لربيعةَ في الكتب الستَّةِ سوَىٰ هذا الحديثِ ، انتهى من « السلاح » ، ورُوِيَ أن أبا جَهْلٍ جاءَ والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي ، فَهمَّ بِأَنْ يَصِلَ إلَيْهِ ، وَيَمْنَعَهُ مِنَ الصَّلاَةِ ، ثُمَّ رجعَّ وَوَلَّى نَاكِصاً عَلَىٰ عَقِبَيْهِ مُتَّقِياً بِيَدَيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : لَقَدْ عَرَضَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقٌ مِنْ نَارٍ ، وَهَوْلٌ وَأَجْنِحَةٌ ، فَيُرْوَىٰ : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَوْ دَنَا مِنِّي لأَخَذَتْهُ المَلاَئِكَةُ عِيَاناً " * ت * : ولما لم يَنْتَهِ عَدُوُّ اللَّهِ أَخَذَهُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَأَمْكَنَ مِنْهُ ، وذَكَرَ الوائليُّ الحَافِظُ في كتابِ « الإبَانَةِ » له مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بن مغول عن نافِع عن ابن عمر قال : " بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ بِجَنَبَاتِ بَدْرٍ إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الأَرْضِ في عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ يُمْسِكُ طَرَفهَا أَسْوَدُ ، فَقال : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، اسْقِنِي ، فَقَالَ ٱبْنُ عُمَرَ : لاَ أَدْرِي أَعَرَفَ ٱسْمِي ، أَوْ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، فَقَالَ لي الأَسْوَدُ : لاَ تَسْقِهِ ؛ فَإنَّهُ كَافِرٌ ، ثُمَّ ٱجْتَذَبَهُ ، فَدَخَلَ الأرْضَ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُه ، فقال : « أَوَ قَدْ رَأَيْتَهُ ؟ ذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، وهُوَ عَذَابُهُ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " انتهى من « التَّذْكِرَة » للقرطبيِّ ، وقد ذَكَرْتُ هذهِ الحكايةَ عَن أبي عمر بن عبد البر بأتَّم مِنْ هَذا عِنْد قوله تعالى : { فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً } [ فصلت : 27 ] .