Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 20-21)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " وَيَقُولُونَ " أي : كفَّار مكَّة ، " لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ " أي : على محمَّد " آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ " على ما نقترحُه ، وذلك أنَّهم قالوا : القرآن الذي جئنا به كتابٌ مشتملٌ على أنواع من الكلمات ، والكتاب لا يكون معجزاً ، كما أنَّ كتابَ موسى ، وعيسى ما كان معجزاً لهما ، بل كان لهما أنواع من المعجزات ، دلَّت على نُبُوَّتهما سوى الكتاب ، وكان في أهْل مكَّة من يدَّعي إمكان المعارضة ، كما أخبر الله - تعالى - عنهم في قوله : { لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } [ الأنفال : 31 ] . فلذلك طلبُوا منه شيئاً آخر سوى القرآن ؛ ليكون معجزاً ، فأمر الله - تبارك وتعالى رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - بأن يجيبهم بقوله : { إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } [ يونس : 20 ] . وتقريرُ هذا الجواب : أنه أقام الدلالة القاهرة على أنَّ القرآن معجزةٌ قاهرةٌ ؛ لأنَّه - صلوات الله وسلامه عليه - نشأ بينهُم ، وعلموا أنَّهُ لم يُطالِعْ كتاباً ، ولا تتلمذ لأستاذ ، مدَّة أربعين سنة مُخالطاً لهُم ، ولم يشتغل بالفِكْرِ والتَّعلم قط ، ثم إنَّه أظهر هذا القرآن العظيم ، وظهورُ مثل هذا الكتاب على مثل ذلك الإنسان ، لا يكونُ إلاَّ بالوحي ، وإذا كان كذلك ، فطلب آية أخرى سوى القرآن يكون اقتراحاً لا حاجة إليه وعناداً ، ومثل هذا يكون مُفَوَّضاً إلى مشيئة الله - تعالى - ، فإن شاء أظهر ، وإن شاء لم يظهر ، فيكون من باب الغيب ، فيجبُ على كلِّ أحدٍ أن ينتظر ، هل يفعله الله أم لا ؟ ولكن سواء فعل أم لم يفعل فقد ثبت نُبُوَّتُه ، وظهر صدقُه ، وهذا المقصُود لا يختلف بحُصُول تلك الزِّيادة وعدمها . قوله تعالى : { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } الآية . وهذا جوابٌ آخر لسُؤالهم ، وطلبهم المعجزة ، وذلك من وجهين : الأول : أنَّ عادتهُم العناد ، والمكر ، وعدم الإنصاف ، فبتقدير أن يعطوا ما سألوه ، فإنهم لا يُؤمنون ، بل يبقون على كفرهم ، وعنادهم ؛ وبيانه أنَّ الله - تعالى - سلَّط القَحْط على أهل مكَّة سبع سنين ، ثمَّ رحمهم ، وأنزل المطر على أراضيهم ، ثم إنَّهم أضافُوا المنافع إلى الأنواء والكواكب . الوجه الثاني : أنَّه لو أنزل عليهم المعجز لم يقبلُوه ؛ لأنَّه ليس غرضهم من هذه الاقتراحات التَّشدد في الدِّين ، وإنما غرضُهُم الدَّفع ، والمبالغة في صون مناصبهم الدنيويَّة ؛ لأنَّه - تعالى - لمَّا سلَّط البلاء عليهم ، ثم أزالهُ عنهم ، فهم مع ذلك استمرُّوا على الكُفْر . قوله : " وَإِذَآ أَذَقْنَا " شرطيَّةٌ ؛ جوابها " إذا " الفُجائيَّةُ في قوله : " إذا لهُم مكرٌ " ، والعاملُ في " إذَا " الفُجائيَّة ؛ الاستقرارُ الذي في " لَهُمْ " ، وقد تقدَّم الخلافُ في " إذَا " هذه ، هَلْ هِيَ حرفٌ أو ظرفُ زمان على بابها ، أو ظرفُ مكان ؟ قال أبو البقاءِ : " وقيل : " إذا " الثانية زمانيَّة أيضاً ، والثانية وما بعدها جواب الأولى " ، وهذا الذي حكاهُ قولٌ ساقطٌ لا يفهم معناه . فصل معنى الآية : { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } يعني : الكفار { رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ } أي : راحة ورخاء من بعد شدة وبلاء . وقيل : القطر بعد القحط ، " مَسَّتْهُمْ " أي : أصابتهُم . واعلم : أنَّ رحمة الله لا تُذاق بالفَمِ ، وإنَّما تُذاق بالعقْلِ . وقوله { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا } قال مجاهد : تكذيب واستهزاء ، وسُمِّي التكذيبُ مكراً ؛ لأنَّ المكر عبارةٌ عن صرف الشَّيءِ عن ظاهره بطريق الحيلة ، وهؤلاء يحتالُون لدفع آيات الله - سبحانه وتعالى - بكل ما يقدرون عليه من إلقاء الشُّبْهَة ، أو التَّخْلِيط في المناظرة ، أو غير ذلك من الأمور الفاسدة . وقال مقاتل : لا يقولون هذا من رزق الله ، إنَّما يقولون سُقِينَا بِنَوء كذا ، وهو كقوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [ الواقعة : 82 ] . وقوله : " فِيۤ آيَاتِنَا " متعلقٌ بـ " مَكْرٌ " ، جعل الآيات محلاًّ للمكر مبالغة ، ويضعف أن يكون الجارُّ صفةً لـ " مَكْرٌ " . قوله : { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } " أسرَعُ " مأخوذٌ من " سَرُعَ " ثلاثياً ؛ حكاه الفارسي . وقيل : بل مِنْ " أسْرَع " وفي بناء أفعل وفِعْلى التعجُّب من " أفعل " ثلاثةُ مذاهب : الجواز مطلقاً . المنع مطلقاً . التَّفصيلُ : بين أن تكون الهمزةُ للتَّعدية فيمتنع ، أو لا فيجوز . وقال بعضهم : " أسْرَعُ " هنا ليست للتفضيل . وهذا ليس بشيءٍ ، إذ السِّياق يردُّه ، وجعله ابن عطيَّة - أعني كون أسرع للتَّفضيل - نظير قوله : " لَهِي أسودُ مِنَ " قال أبو حيَّان : " وأما تنظيرُهُ " " أسود من القَار " بـ " أسْرَع " ففاسد ؛ لأنَّ " أسْوَد " ليس فعلهُ على وزن " أفْعَل " ، وإنما هو على وزن " فَعِل " نحو : سَوِد فهو أسْود ، ولم يمتنع التَّعجُّب ، ولا بناء أفعل التفضيل عند البصريين من نحو : سَوِدَ ، وحَمِرَ ، وأدِمَ ، إلاَّ لكونه لوناً ، وقد أجاز ذلك بعضُ الكوفيين في الألوان مطلقاً ، وبعضهم في السَّواد والبياض فقط " . قال شهاب الدِّين : تنظيره به ليس بفاسدٍ ؛ لأنَّ مراده بناءُ أفعل ممَّا زاد على ثلاثة أحرُف ، وإن لم يكن على وزن " أفْعَل " ، و " سَوِد " وإن كان على ثلاثةٍ ، لكنه في معنى الزَّائد على ثلاثة ، إذ هو في معنى " أسْوَد " ، و " حَمِرَ " في معنى أحْمَر ؛ نصَّ على ذلك النحويُّون ، وجعلوه هو العلَّة المانعة من التعجُّب في الألوان . و " مَكْراً " نصبٌ على التَّمييز ، وهو واجبُ النَّصب ؛ لأنَّكَ لو صُغْتَ من " أفْعَل " فعلاً ، وأسندته إلى تمييزه فاعلاً ، لصحَّ أن يقال : " سَرُع مَكْرُه " ، وأيضاً فإنَّ شرط جواز الخفضِ ، صِدْقُ التمييز على موصوفِ أفعل التَّفضيل ، نحو : " زيدٌ أحسنُ فقيهٍ " ، ومعنى " أسْرَعُ مَكْراً " : أعجل عُقُوبة ، وأشدُّ أخذاً ، وأقدر على الجزاء ، أي : عذابه أسرع إليكم ممَّا يأتي منكم في دفع الحقِّ . قوله : { إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } قرأ الحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والأعرج ، ويعقوب ، ونافع - رضي الله عنهم - في رواية : " يَمْكُرُوْنَ " بياء الغيبة جرياً على ما سبق ، والباقون بالخطاب : مبالغة في الإعلام بمكرهم ، والتفاتاً لقوله : " قُلِ اللهُ " ؛ إذ التقدير : قُلْ لهُمْ ، فناسب الخطاب ، وقوله : " إنَّ رُسُلنَا " التفاتٌ أيضاً ، إذ لو جرى على قوله : " قُلِ اللهُ " ، لقيل : إنَّ رسله ، والمراد بالرُّسل : الحفظة .