Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 18-19)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ } الآية . لمَّا طلبُوا تبديل القرآن ؛ لأنَّه مشتملٌ على ذمِّ الأصنامِ التي اتَّخذُوها آلهةً ، ذكر في هذا الموضع قبح عبادة الأصنام ، ليُبيِّنَ تحقيرَها . قوله : " مَا لاَ يَضُرُّهُمْ " : " ما " موصولةٌ ، أو نكرةٌ موصوفةٌ ، وهي واقعةٌ على الأصنامِ ، ولذلك راعى لفظها ، فأفرد في قوله { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } ، وراعى معناها فجمع في قوله : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا } . فصل المعنى : ما لا يضُرُّهُمْ إن عصوه ، وتركُوا عبادته ، ولا ينفعهم إن عبدوه ، يعني : الأصنام { وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } ، فقيل : إنَّهم اعتقدُوا أنَّ المُتولِّي لكل إقليم ، روح معيَّن من أرواح الأفلاك ، فعيَّنُوا لذلك الرُّوح صنماً معيَّناً ، واشتغلوا بعبادة ذلك الصَّنَم ، ومقصودهم عبادةُ ذلك الرُّوح ، ثم اعتقدُوا أن ذلك الرُّوح ، يكون عبداً للإله الأعظم ، ومشتغلاً بعبوديَّته . وقيل : إنَّهم كانُوا يعبدُون الكواكب ، فوضعُوا لها أصناماً مُعَيَّنة واشتغلوا بعبادتها ، ومقصودُهُم عبادةُ الكواكبِ ، وقيل : إنَّهم وضعُوا طلَّسْمَاتٍ معينةً على تلك الأوثان والأصنام ، ثم تقرَّبوا إليها . وقيل : إنَّهُم وضعوا هذه الأوثان والأصنام ، على صور أنبيائهم ، وأكابرهم ، وزعمُوا أنَّهُم متى اشتغلُوا بعبادةِ هذه التماثيل ، فإنَّ أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله . قوله : " قُلْ أَتُنَبِّئُونَ " قرأ بعضهم : " أتُنْبِئُونَ " مخففاً من " أنْبَأ " ، يقال : أنْبَأ ونَبَّأ كأخْبرَ وخبَّرَ ، وقوله : " بِمَا لاَ يَعْلَمُ " " مَا " موصولةٌ ، أو نكرة موصوفة كالتي تقدَّمت ، وعلى كلا التقديرين : فالعائدُ محذوفٌ ، أي : يعلمُهُ ، والفاعلُ هو ضمير الباري - تعالى - ، والمعنى : أتُنَبِّئُونَ الله بالمعنى الذي لا يعلمُهُ إلاَّ الله ، وإذا لم يعلم الله شيئاً ، استحال وجودُ ذلك الشيء ؛ لأنَّه - تعالى - لا يغربُ عن علمه شيءٌ ، وذلك الشيء هو الشَّفاعة ، فـ " مَا " عبارة عن الشفاعة . والمعنى : أنَّ الشَّفاعة لو كانت لعلمها الباري - تعالى - ، ومثل هذا الكلام مشهورٌ في العرف ، فإنَّ الإنسان إذا أراد نفي شيء عن نفسه ، يقول : ما علم الله هذا منِّي ، ومقصوده : أنَّ ذلكَ ما حصل أصلاً . وقوله : { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } تأكيدٌ لنفيه ؛ لأنَّ كلَّ موجودٍ لا يخرج عنهما . ويجوز أن تكون " مَا " عبارة عن الأصنام ، وفاعل " يَعْلَمُ " : ضميرٌ عائدٌ عليها . والمعنى : أتُعلمون الله بالأصنامِ ، التي لا تعلم شيئاً في السموات ولا في الأرض ، وإذا ثبت أنها لا تعلم ، فكيف تشفع ؟ والشافع لا بدَّ وأن يعرف المشفوع عنده ، والمشفوع له ؛ هكذا أعربه أبو حيَّان ، فجعل " مَا " عبارة عن الأصنام ، لا عن الشَّفاعة ، والأول أظهر ، و " مَا " في " عمَّا يُشْركُونَ " يحتمل أن تكون بمعنى : " الَّذي " أي : عن شركائهم الذين يشركونهم به في العبادة ، أو مصدريةٌ ، أي : عن إشراكهم به غيرهم ، وقرأ الأخوان هنا " عمَّا يُشْرِكُونَ " ، وفي النَّحْل موضعين : الأول : { عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } [ النحل : 1 ، 2 ] . الثاني : { بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النحل : 3 ] . وفي الروم : { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الروم : 40 ] بتاء الخطاب ، والباقون بالغيبة في الجميع ، وهما واضحتان ، وأتى هنا بـ " يَشْرِكُونَ " مضارعاً دون الماضي ، تنبيهاً على استمرار حالهم كما جاءُوا يعبدون ، وتنبيهاً أيضاً على أنَّهم على الشرك في المستقبل ، كما كانوا عليه في الماضي . قوله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } الآية . لمَّا أقامَ الدَّلالة على فسادِ القول بعبادة الأصنام ؛ بيَّن السَّبب في كيفية حدوث هذه المسألة الباطلة ، فقال : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي : على الدِّين الحقِّ ؛ لأن المقصود من هذه الآية ، بيان كون الكفر باطلاً ؛ لأنَّ قوله : { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ البقرة : 213 ] في الإسلام أو في الكفر ، ولا يجوزُ أن يكونوا أمَّةً واحدة في الكفر ، فبقي أنَّهُم كانوا أمَّة واحدة في الإسلام ، لقوله - تعالى - : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } [ النساء : 41 ] ، وشهيدُ الله لا بدَّ وأن يكون مُؤمناً ، فثبت أنَّهُ لم تخل أمَّة من الأممِ ، إلا وفيهم مؤمنٌ . وقد وردت الأحاديث ، بأنَّ الأرض لا تخلُو عمَّن يعبد الله - عزَّ وجلَّ - ، وعن أقوام بهم يمطرُ أهل الأرض ، فثبت أنَّهُم ما كانُوا أمَّة واحدة في الكفر ، فيكونوا أمَّة واحدة في الإيمان ، ثم اختلفوا أنهم متى كانوا كذلك ؟ فقال ابن عباس ، ومجاهد - رضي الله عنهما - : كانوا على عهد آدمَ وولده صلوات الله البرِّ الرحيم والملائكة المقربين عليهما وسلامه دائماً ، واختلفوا عند قتل أحد ابنيه للآخر . وقيل إنَّهم بقُوا على الإيمان إلى زمن نوح - عليه الصلاة والسلام - ، ثم اختلفوا على عهد نوح ، فبعث الله إليهم نُوحاً . وقيل : كانُوا على الإيمان من زمن نُوح بعد الغرق ، إلى أن ظهر الكفر فيهم . وقيل : كانُوا على الإسلام من عهد إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - إلى أن غيَّره عمرو بن لحيّ . وهذا القائل قال : إنَّ المراد بالنَّاس : العرب خاصَّة ، والغرض منه : أنَّ العرب إذا علمُوا أنَّ عبادة الأصنام ما كانت أصلاً فيهم ، وإنَّما هي حادثةٌ ، لم يتأذوا من تزييفِ الطريقة ، ولم تنفُر طباعهم من إبطال هذا المذهب الفاسد . وقال قوم : كانوا أمَّةً واحدة في الكفر ، قالوا : وفائدة هذا الكلام : أنَّه - سبحانه وتعالى - جل ذكره - بيَّن للرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ، أنَّه لا تطمع في أن يصير كلُّ من تدعُوه إلى الدِّين مجيباً له ، فإنَّ الناس كانُوا على الكفر ، وإنَّما حدث الإسلام في بعضهم بعد ذلك ، فيكف تطمعُ في اتِّفاق الكلِّ على الإيمان ؟ . وقيل : المرادُ بكونهم أمَّةً واحدةً : أنَّهم خلقوا على فطرة الإسلام ، ثم اختلفوا في الأديان ، وإليه الإشارة بقوله - عليه الصلاة والسلام - " كلّ مولُودٍ يُولَدُ على فِطْرَةِ الإسلام ، فأبَواهُ يُهَوِّدَانهِ أو يُنَصِّرانِهِ أو يُمَجِّسَانِهِ " . ثم قال : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } بأن جعل لكلِّ أمَّةٍ أجلاً ، وقال الكلبيُّ : هي إمهال هذه الأمَّة ، وأنَّه لا يهلكهم بالعذاب في الدنيا ، " لَقُضِيَ بَيْنهُمْ " بنزول العذابِ ، وتعجيل العقوبة للمكذِّبين ، وكان ذلك فصلاً بينهم ، " فِيمَا فِيهِ يَخْتلفُونَ " . وقال الحسن - رحمه الله - { لَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } مضت في حكمه ، أنَّه لا يقضي بينهم فيما اختلفُوا فيه بالثَّواب والعقاب دون القيامة ، " لَقُضِيَ بَينَهُم " في الدنيا ، فأدخل المُؤمِن الجنَّة ، والكافر النَّار ، ولكن سبق من الله الأجل ، فجعل موعدهم يوم القيامة .