Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 66-70)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } الآية . لمَّا ذكر في الآية المتقدمة : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا في ٱلأَرْضِ } [ يونس : 55 ] دل على أنَّ كلَّ ما لا يعقلُ ، فهو مُلْكٌ لله - تعالى - ، ومِلْكٌ لهُ ، وههنا أتى بكلمة " مِنْ " وهي مختصَّة بالعقلاء ؛ فدلَّ على أنَّ كلَّ العقلاء داخلون تحت ملك الله وملكه ، فدلَّ مجموعُ الآيتين على أنَّ الكُلَّ مُلْكُه ومِلْكُه . وقيل : المراد بـ " من في السَّمواتِ " : العقلاء المُمَيَّزُون ، وهم الملائكة والثقلان ، وخصَّهم بالذِّكر ؛ ليدل على أن هؤلاء إذا كانوا له وفي ملكه ، فالجمادات أولى بهذه العُبُوديَّة ، فيكون ذلك قدحاً في جعل الأصنام شُركاء لله - تعالى - ، فيكون ذلك من بابِ التنبيه بالأعلى على الأدنى ، ويجوز أن يراد العموم ، وغلب العاقل على غيره . قوله : " وَمَا يَتَّبِعُ " يجوز في " ما " هذه أن تكون نافية ، وهو الظاهر ، و " شُرَكَاء " مفعولُ " يتَّبعُ " ومفعول " يَدْعُون " محذوفٌ لفهم المعنى ، والتقدير : وما يتَّبعُ الذين يدعُون من دُون اللهِ آلهةً شُركَاءَ ، فآلهة : مفعول " يَدْعُونَ " و " شركاء " : مفعول " يتبع " ، وهو قول الزَّمخشريِّ . قال : " ومعنى وما يتَّبعون شركاء : وما يتَّبعون حقيقة الشُّركاء ، وإن كانُوا يُسَمُّونها شركاء ؛ لأنَّ شركة الله في الربوبية محال ، إن يتَّبعُون إلاَّ ظنَّهم أنهم شركاءُ ثم قال : " ويجوز أن تكون " ما " استفهاماً ، يعني : وأيَّ شيءٍ يتَّبعون ، و " شركاء " على هذا نصب بـ " يَدْعُونَ " ، وعلى الأوَّل بـ " يتَّبع " وكان حقُّه : " وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء شركاء " فاقتصر على أحدهما للدلالة " . وهذا الذي ذكرهُ الزمخشريُّ قد ردَّه مكِّي وأبو البقاء . أما مكي ، فقال : انتصب " شركاء " بـ " يَدْعُون " ومفعول " يتَّبع " قام مقامه { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } لأنَّهُ هو ، ولا ينتصبُ الشُّركاء بـ " يتَّبع " لأنَّك تنفي عنهم ذلك ، والله قد أخبر عنهم بذلك . وقال أبو البقاء : " وشركاء مفعولُ " يَدْعُونَ " ولا يجوزُ أن يكون مفعُول " يتَّبعون " لأنَّ المعنى يصير إلى أنَّهم لم يتَّبعوا شركاء ، وليس كذلك " . قال شهاب الدِّين : " معنى كلامهما : أنَّه يئول المعنى إلى نفي اتِّباعهم الشركاء ، والواقع أنَّهُم قد اتَّبَعُوا الشركاء " . وجوابه ما تقدَّم من أنَّ المعنى : أنهم وإن اتَّبعُوا شركاء ، فليْسُوا بشركاءَ في الحقيقةِ ، بل في تسميتهم هم لهم بذلك ، فكأنَّهم لم يتَّخذوا شركاء ، ولا اتبعوهم لسلب الصِّفة الحقيقيَّة عنهم ، ومثله قولك : " ما رأيتُ رجلاً " ، أي : مَنْ يستحقُّ أن يسمَّى رجلاً ، وإن كنت قد رأيت الذَّكر من بني آدم ، ويجوز أن تكون " ما " استفهاميَّة ، وتكون حينئذٍ منصوبةً بما بعدها ، وقد تقدَّم قولُ الزمخشري في ذلك . وقال مكِّي : لو جعلت " ما " استفهاماً بمعنى : الإنكار والتَّوبيخ ، كانت اسماً في موضع نصبٍ بـ " يتَّبع " . وقال أبو البقاء نحوه . ويجوز أن تكون " ما " موصولة بمعنى " الذي " نسقاً على " مَنْ " في قوله : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات } . قال الزمخشري : ويجوز أن تكون " ما " موصولة معطوفة على " مَنْ " كأنَّهُ قيل : ولله ما يتَّبعه الذين يدعُون من دون الله شركاء ، أي : وله شركاؤهُم . ويجوز أن تكون " ما " هذه الموصولة في محلِّ رفع بالابتداء ، والخبرُ محذوفٌ تقديره : والذي يتَّبعه المشركون باطلٌ ، فهذه أربعة أوجهٍ . وقرأ السلمي : " تَدعُون " بالخطاب ، وعزاها الزمخشريُّ لعليّ بن أبي طالب . قال ابنُ عطيَّة : وهي قراءةٌ غيرُ متَّجهة . قال شهاب الدِّين : قد ذكر توجيهها الزمخشريُّ ، فقال : ووجهه أن يحمل " وما يتَّبع " على الاستفهام ، أي : وأيُّ شيء يتَّبع الذين تدعُونهُم شركاء من الملائكة والنبيين ، يعني : أنَّهم يتَّبعُون الله - تعالى - ويطيعُونه ، فما لكم لا تفعلُون مثل فعلهم ؛ كقوله : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } [ الإسراء : 57 ] . قوله : " إن يتَّبِعُون " " إنْ " نافية ، و " الظَّن " مفعولٌ به ، فهو استثناءٌ مفرَّغ ، ومفعولُ الظَّن محذوفٌ ، تقديره : إن يتَّبعُون إلاَّ الظَّنَّ أنَّهُم شركاءُ ، وعند الكوفيين : تكون " أل " عوضاً من الضمير ، تقديره : إن يتَّبعُون إلاَّ ظنَّهُم أنهم شركاءُ ، والأحسنُ أن لا يقدر للظَّنِّ معمولٌ ؛ إذ المعنى : إن يتبعون إلا الظن ، لا اليقين . وقوله : " إن يتَّبعُون " من قرأ " يَدْعُون " بياء الغيبة ، فقد جاء بـ " يتَّبِعُونَ " مطابقاً له ، ومن قرأ " تَدْعُونَ " بالخطاب ، فيكون " يتَّبِعُون " : التفاتاً ؛ إذ هو خروجٌ من خطابٍ إلى غيبة ، والمعنى : إن يتَّبِعُون إلاَّ ظنونهم الباطلة ، { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } : يكذبون ، وقد تقدَّم في الأنعام . قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ } الآية . لمَّا ذكر أنَّ العزة لله جميعاً ، احتجَّ عليه بهذه الآية ، وانظر إلى فصاحتها ، حيث حذف من كل جملةٍ ما ثبت في الأخرى ؛ وذلك أنَّه ذكر علَّة جعل الليل لنا ، وهي قوله : " لِتَسْكُنُوا " وحذفها من جعل النهار ، وذكر صفة النَّهار ، وهي قوله : " مُبْصِراً " وحذفها من الليل ، لدلالة المقابل عليه ، والتقدير : هو الذي جعل لكم الليل مُظْلماً لتسْكُنُوا فيه ، والنهار مُبْصِراً لتتحرَّكُوا فيه لمعاشكم ، فحذف " مُظْلماً " لدلالة " مُبْصِراً " عليه ، وحذف " لتتحرَّكُوا " لدلالة " لتسكنوا " وهذا أفصحُ كلامٍ . وقوله : " مُبْصِراً " أسند الإبصارَ إلى الظَّرف مجازاً كقولهم : " نهارُهُ صائم ، وليله قائم ونائم " . قال : [ الطويل ] @ 2911 - … ونِمْتِ وما لَيْلُ المطِيِّ بِنَائِمِ @@ وقال قطرب : يقال : أظلم اللَّيْلُ : صار ذا ظلمة ، وأضاء النَّهار : صار ذا ضياء ؛ فيكون هذا من باب النسب ؛ كقولهم : لابنُ وتامرٌ ، وقوله - تعالى - : { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] ، إلاَّ أنَّ ذلك إنما جاء في الثلاثيِّ ، وفي " فعَّال " بالتضعيف عند بعضهم في قوله - تعالى - : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] في أحد الأوجه . ثم قال : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : يتدبَّرُون ما يسمعُون ، ويعتَبِرُون . فإن قيل : قوله : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } يدل على أنَّه - تعالى - ما جعلهُ إلا لهذا الوجه ، وقوله { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } يدلُّ على أنَّه - تعالى - أراد بتخليقِ الليل والنهار أنواعاً كثيرة من الدلائل . فالجواب : أن قوله - تعالى - : " لِتسكُنوا " لا يدلُّ على أنَّه لا حكمة فيه إلاَّ ذلك ، بل ذلك يقتضي حصول تلك الحكمة . قوله تعالى : { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } الآية . هذا نوع آخر من أباطيلهم التي حكاها الله عنهم ، " قالوا " يعني المشركين : الملائكة بنات الله ، وقيل : قولهم : الأوثان أولاد الله ، ويحتمل أن يكون قد كان فيهم قومٌ من النصارى قالوا ذلك ، ثم استنكر هذا القول ، فقال بعده : { هُوَ ٱلْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فكونه - تعالى - غنيّاً مالكاً لكلِّ ما في السموات والأرض ، يدلُّ على أنه سبحانه يستحيل أن يكون لهُ ولد ، وبيانه من وجوه : الأول : أنَّه لو كان محتاجاً ، لافتقر إلى صانعٍ آخر ، وهو محال ، وكل من كان غنيّاً فلا بد أن يكون فرداً منزَّهاً عن الأعضاء والأبعاض ، ومن كان كذلك يمتنع أن ينفصل عنه جزءٌ من أجزائه ، والولد عبارةٌ عن انفصال جزء من أجزاء الإنسان ، ثم يتولَّد من ذلك الجزء مثله ، وإذا كان هذا محالاً ، ثبت أنَّ كونه - تعالى - غنيّاً يمنع من ثُبُوت الولد لهُ . الثاني : أن من كان غنيّاً ، كان قديماً أزليّاً باقياً سرمديّاً ، وكل من كان كذلك امتنع عليه الانقراض ، والولدُ إنما يحصل للشَّيءِ الذي ينقضي وينقرض ، فيكون ولده قائماً مقامه ؛ فثبت أنَّ كونه - تعالى - غنيّاً ، يدل على أنه يمتنع أن يكون له ولد . الثالث : أنَّ كلَّ من كان غنيّاً يمتنع أن يكون موصوفاً بالشهوة واللذة ، وإذا امتنع ذلك ، امتنع أن يكون له صاحبةٌ وولد . وباقي الوجوه يطول ذكرها . ثم قال : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } وهذا نظيرُ قوله : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] ولمَّا بيَّن بالدليل الواضح امتناع ما أضافُوا إليه ، عطف عليهم بالإنكار والتوبيخ ، فقال : { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } : " إنْ " نافية و " عندكُم " يجوز أن يكون خبراً مقدَّماً ، و " مِنْ سلطانٍ " مبتدأ مُؤخَّراً ، ويجوز أن يكون " من سلطان " مرفوعاً بالفاعليَّة بالظرف قبله ؛ لاعتماده على النفي ، و " مِنْ " مزيدةٌ على كلا التقديرين ، وبهذا يجوز أن يتعلق بـ " سُلْطان " لأنَّه بمعنى الحُجَّة والبرهان ، وأن يتعلَّق بمحذوف صفة له ؛ فيحكم على موضعه بالجرِّ على اللفظ ، وبالرفع على المحلِّ ؛ لأنَّ موصوفه مجرور بحرفِ جرٍّ زائدٍ ، وأن يتعلَّق بالاستقرار . قال الزمخشريُّ : الباءُ حقُّها أن تتعلَّق بقوله : " إنْ عندكُم " على أن يجعل القولُ مكاناً للسُّلطان ؛ كقوله " ما عندكم بأرضكم موزٌ " كأنه قيل : إن عندكم بما تقولون سلطانٌ وقال الحوفيُّ : بهذا متعلقٌ بمعنى الاستقرار . يعنى : الذي تعلَّق به الظرف . ثم قال : { أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقد تقدَّم أنَّ الآية يحتجُّ بها نُفاة القياس في إبطال التقليد . قوله - تعالى - : { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } الآية . لمَّا بيَّن بالدليل القاطع أنَّ إثبات الولد لله قول باطلٌ ، ثم بيَّن أنه ليس لهذا القائل دليلٌ على صحة قوله ، ظهر أن ذلك المذهب افتراء على الله - تعالى - ، فبيَّن أنَّ من هذا حاله ، فإنَّه لا يفلحُ ألبتَّة ، أي : لا ينجح في سعيه ، ولا يفوز بمطلُوبه ، بل خاب وخسر . قوله : { مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا } يجوز رفع " متاع " من وجهين : أحدهما : أنه خبرُ مبتدأ محذوف ، والجملة جوابٌ لسؤالٍ مقدَّر ، فهي استئنافيةٌ ، كأنَّ قائلاً قال : كيف لا يفلحُون ، وهم في الدنيا مفلحون بأنواع ممَّا يتلذّذون به ؟ فقيل : ذلك متاع . والثاني : أنه مبتدأ ، والخبر محذوفٌ تقديره : لهُم متاعٌ ، و " فِي الدُّنيا " يجوز أن يتعلق بنفس " متاع " أي : تمتُّعٌ في الدنيا ، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه نعت لـ " متاع " فهو في محلِّ رفعٍ ، ولم يقرأ بنصبه هنا ، بخلاف قوله : { مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ } [ يونس : 23 ] في أول السُّورة . وقوله : { بِمَا كَانُواْ } الباءُ للسببية ، و " ما " مصدريةٌ ، أي : بسبب كونهم كافرين .