Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلْعَادِيَاتِ } ، جمع عادية ، وهي الجارية بسرعة من العدو ، وهو المشي بسرعةٍ ، والياء منقلبة عن واو لكسر ما قبلها ، نحو : الغازيات ، من الغزو ، ويقال : عَدا يَعْدُو عَدْواً ، فهو عادٍ ، وهي عادية . وقد تقدم هذا في سورة " المؤمنين " . قال عامة المفسرين : يريد الأفراس تعدو في سبيل الله تعالى . قوله : { ضَبْحاً } ، فيه أوجه : أحدها : أنه مصدر مؤكد لاسم الفاعل ، فإن الضبح نوعٌ من السير والعدو كالضبع ، يقال : ضبح وضبع ، إذا عدا بشدة ، أخذاً من الضبع وهو الذراع ، لأنه يمده عند العدو ، وكأن الحاء بدل من العين ، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة والمبردُ . قال عنترةُ : [ مجزوء الكامل ] @ 5268 - والخَيْلُ تَعْلَمُ حِينَ تَضْـ ـبَحُ في حِيَاضِ المَوْتِ ضَبْحَا @@ الثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، أي : ضابحات وذوي ضبح والضبح : صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو ، وليس بصهيل . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه حكاه ، فقال : أحٍ أحٍ . وقال قتادة : تضبح إذا عدت ، أي : تحمحم . وقال الفراء : والضبح : أصوات أنفاسها إذا عدون . وقيل : كانت تكمكم لئلا تصهل ، فيعلم العدو بهم ، فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة . ونقل عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - : أنه لم يضبح من الحيوان غير الخيل والكلب والثعلب ، وهذا ينبغي أن يصحَّ عنه ؛ لأنه روي عنه أنه قال : سُئلتُ عنها ، ففسرتها بالخيل ؛ وكان علي - رضي الله عنه - تحت سقاية زمزم ، فسأله ، فذكر ما قلت ؛ فدعاني ، فلما وقفت على رأسه ، قال : تفتي الناس بغير علمٍ ، والله إنها لأولُ غزوةٍ في الإسلامِ ، وهي بدر ، ولم يكن معنا إلا فرسان : فرسٌ للمقدادِ ، وفرس للزبير ، فكيف تكون العاديات ضبحاً ؟ إنما العاديات الإبل من " عرفة " إلى " المزدلفة " ، ومن " المزدلفة " إلى " منى " يعني إبل الحاج . قال ابن عباسٍ : فرجعت إلى قول علي - رضي الله عنه - وبه قال ابن مسعود ، وعبيد بن عمير ، ومحمد بن كعب ، والسديُّ رضي الله عنهم . ومنه قول صفية بنت عبد المطلب : [ الوافر ] @ 5269 - فَلاَ والعَاديَاتِ غَداةَ جَمْعٍ بأيْديهَا إذا سَطعَ الغُبَارُ @@ إلا أن الزمخشري ، قال بعد ذلك : " فإن صحت الروايةُ ، فقد استعير الضبحُ للإبل ، كما استعير المشافر والحافر للإنسان ، والشفتان للمُهْرِ " . ونقل غيره : أن الضبح ، يكون في الإبل ، والأسود من الحيَّات ، والبُوم ، والصدى ، والأرنب ، والثعلب ، والفرس . وأنشد أبو حنيفة رضي الله عنه : [ الرجز ] @ 5270 - حنَّانةٌ من نشَمٍ أو تَألَبِ تَضْبَحُ في الكفِّ ضُباحَ الثَّعْلبِ @@ قال شهاب الدين : وهذا عندي من الاستعارة ، ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح في الثعلب فاستعير للخيل ، وهو ضبحته النار ، إذا غيرت لونه ولم تبالغ وانضبح لونه تغير لسواد قليل ، والضبح أيضاً الرماد . الثالث من أوجه النصب : أن يكون منصوباً بفعل مقدر ، أي : يضبح ضبحاً ، وهذا الفعل حال من " العَاديَاتِ " . الرابع : أنه منصوب بـ " العَادِياتَ " ، وإن كان المراد به الصوت . قال الزمخشري : " كأنه قيل : والضابحات ، لأن الضبح يكون مع العدو " . قال أبو حيَّان : " وإذا كان الضَّبح مع العدو ، فلا يكونُ معنى والعاديات معنى الضابحات فلا ينبغي أن يفسر به " انتهى . قال شهاب الدين : لم يقل الزمخشري إنه بمعناه ، إنما جعله منصوباً ، لأنه لازم لا يفارقه ، فكأنه ملفوظ به . وقوله : كأنه قيل ؛ تفسير التلازم لا أنه هو هو . فصل في هذا القسم قال ابن العربي : أقسم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال : { يسۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [ يس : 1 ، 2 ] ، وأقسم بحياته فقال : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الحجر : 72 ] ، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها ، وقدح حوافرها النار من الحجر ، فقال : { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } . وقال الشعبيُّ : تمارى عليٌّ وابن عباس في " العَادِياتَ " فقال علي : هي الإبل تعدو في الحج . وقال ابن عباس : هي الخيلُ ، ألا تراه يقولُ : " فأثَرْنَ بِهِ نَقْعاً " فهل تثير إلا بحوافرها , وهل تضبح الإبل ؟ . فقال علي رضي الله عنه : ليس كما قلت , لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق للمقداد ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد . وعلى هذا فالقول : { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } أي : الحافر يرمي بالحجر من شدة العدو ، فيضرب به حجارة أخرى فتوري النار ، أو يكون المعنى : الذين يركبون الإبل ، وهم الحجيج إذا أوقدوا نيرانهم بـ " المزدلفة " ، وقوله تعالى : { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } ، والإغارة : سرعة السير ، وهم يدفعون صبيحة يوم النحر مسرعين إلى " منى " . { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } يعني " مزدلفة " ، لأنها تسمى بجمع ، لاجتماع الحاجِّ بها ، وعلى هذا التقدير ، فوجه القسم بها ما تقدم ذكره من المنافع الكثيرة في قوله تعالى : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [ الغاشية : 17 ] . وأيضاً : الغرض بذكر إبل الحج : الترغيب في الحج ، فإن الكنود : هو الكفور ، والذي لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك ، كما في قوله تعالى : { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 97 ] . ومن قال : هي الخيل ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك وعطاء وأكثر المحققين ، قال : إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى أناس من بني كنانة ، فأبطأ عليه خبرها ، وكان استعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري ، وكان أحد النقباء ، فقال المنافقون : إنهم قتلوا فنزلت هذه السورة إخباراً للنبي صلى الله عليه وسلم بسلامتها ، وبشارة له بإغارتها على القوم ، فالمراد : الخيل التي يغزو عليها المؤمنون . وفي الخبر : " مَنْ لمْ يَعرفْ حُرمَةَ فرسِ الغَازي ، ففيهِ شُعبةٌ مِنَ النِّفاقِ " ، وعلى هذا القول ، فالسورة مدنية ، لأن الإذن في القتال إنما كان بـ " المدينة " . قوله : { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } ، قال عكرمة وعطاء والضحاك : هي الخيلُ حين توري النار بحوافرها وهي سنابكها . و " قَدْحاً " يجوز أن يكون مصدراً مؤكداً ؛ لأن الإيراء من القدح ، يقال : قدح فأورى ، وقدح فأصلد . ويجوز أن يكون حالاً ، فالمعنى : " قادحات " ، أي : ضابحات بحوافرها ما توري النار ، ويقال : قدحت الحجر بالحجر ، أي : صككته به . وقال الزمخشريُّ : انتصب " قدحاً " بما انتصب به " ضبحاً " وكأنه جوّز في نصبه ثلاثة أوجه : النصب بإضمار فعله ، والنصب باسم الفاعل قبله لأنه ملازمه ، والنصب على الحال ، وتسمى تلك النار التي تخرج من الحوافر : نار الحباحب . قال : [ الطويل ] @ 5271 - تَقُدُّ السَّلوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجهُ وتُوقِدُ بالصُّفَّاحِ نَارَ الحُباحِبِ @@ فصل في معنى الموريات روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أورت بحوافرها غباراً ، وهذا يخالف سائر ما روي عنه في قدحِ النارِ ، وإنما هذا في الإبل [ وروى ابن نجيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى : { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } قال هي في القتال وهو في الحج ، قاله ابن مسعود هي الإبل تطأ الحصى فيخرج منه النار ] . وأصل القدح : الاستخراج ، ومنه قدحت العين : إذا أخرجت منها الماء الفاسد ، واقتدحت بالزّند ، واقتدحت المرق : غرفته . ورَكيٌّ قدوح : يغرف باليد . والقديح : ما يبقى في أسفل القدر ، فيغرف بجهد ، والمقدحة : ما تقدح به النار . والقداحة والقداح : الحجر الذي يُورِي النار . يقال : وَرَى الزند - بالفتح - يري ورْياً : إذا خرجت ناره ، وفيه لغة أخرى ، ورِي الزند - بالكسر - يرى فيهما ، وقد مضى في سورة " الواقعة " . وقيل : هذه الآيات في الخيل ، ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها ، وبين عدوهم . ويقال للحرب إذا التحمت : حَمِيَ الوطيس ، ومنه قوله تعالى : { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } [ المائدة : 64 ] . قال ابن عباس : المراد بـ { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } مكر الرجال في الحرب ، وقاله مجاهد وزيد ين أسلم : والعربُ يقولون إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله لأمكرن بك ، ثم لأورين لك . وعن ابن عباس أيضاً : هم الذين يغزون فيورون نيرانهم بالليل ، لحاجتهم وطعامهم . وعنه أيضاً أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهاباً ، ليظنها العدو كثيراً . وقيل : هي أفكار الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ويظهر بها من إقامة الحججِ ، وإقامةِ الدَّلائلِ ، وإيضاح الحق ، وإبطال الباطلِ . قال القرطبي : هذه الأقوال مجاز ، ومنه قولهم : فلان يُوري زناد الضلالة ، والأول : الحقيقة ، وأن الخيل من شدة عدوها تقدح النَّار بحوافرها . قال مقاتل : العرب تسمي تلك النَّار نار أبي حُبَاحب ، وكان أبو حباحب شيخاً من مضر في الجاهلية ، من أبخل الناس ، وكان لا يُوقد نار الخبز ولا غيره حتى تنام العيون ، فيوقد نُويْرَة تقد مرة ، وتخمد أخرى ، فإن استيقظ لها أحد أطفأها ، كراهية أن ينتفع بها أحدٌ ، فشبهت هذه النار بناره ؛ لأنه لا ينتفع بها . وكذلك إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت ناراً فكذلك يسمونها . قال النابغة : [ الطويل ] @ 5272 - ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلولٌ من قِرَاعِ الكَتائبِ تَقُدُّ السَّلوقِيَّ المُضاعفَ نَسْجهُ وتُوقِدُ بالصُّفَّاحِ نَارَ الحُبَاحِبِ @@ قوله : { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } ظرف ؛ أي : التي تغير وقت الصبح ، يقال : أغار يغير إغارة وغارةً : إذا باغت عدواً نهباً وقتلاً وأسراً ؛ قال : [ البسيط ] @ 5273 - فَليْتَ لِي بِهمُ قَوماً إذَا رَكِبُوا شَنُّوا الإغَارَة فُرْسَاناً ورُكْبَانَا @@ وأغار وغار أيضاً : نزل الغور ، وهو المنهبط من الأرض . قوله : { فَأَثَرْنَ } . عطف الفعل على الاسم ، لأن الاسم في تأويل الفعل لوقوعه صلى لـ " أل " . قال الزمخشريُّ : " معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه ، يعني في الأصل ؛ إذ الأصل : واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن " . قوله : { بِهِ } . في الهاء أوجه : أحدها : أنه ضمير الصبح ، أي : فأثرن في وقت الصبح غباراً . وهذا حسن ، لأنه مذكور بالتصريح . الثاني : أنه عائد على المكان ، وإن لم يجر له ذكر ؛ لأن الإشارة لا بد لها من مكان ، والسياق والعقل لا يدلان عليه ، وإذا علم بالمعنى جاز أن يكون عما لم يجري له ذكر بالصريح كقوله تعالى : { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ ص : 32 ] . وفي عبارة الزمخشري : " وقيل : الضمير لمكان الغارةِ " ، وهذا على تلك اللغيَّة وإلا فالفصيح أن تقول : الإغارة . الثالث : أنه ضمير العدو الذي دل عليه " والعَادِيَاتِ " . وقرأ العامة : بتخفيف الثاء ، أثار كذا إذا نشره وفرقه من ارتفاع . وقرأ أبو حيوة ، وابن أبي عبلة : بتشديدها . وخرجه الزمخشري على وجهين : الأول : بمعنى فأظهرن به غباراً ؛ لأن التأثير فيه معنى الإظهار . الثاني : قلب " ثورن " إلى " وثَرْنَ " ، وقلب الواو همزة انتهى . يعني : الأصل " ثَوّرنَ " من ثور يثور - بالتشديد - عداه بالتضعيف كما يعدى بالهمزة في قولك : أثاره ثم قلب الكلمة بأن جعل العين وهي الواو موضع الفاء وهي الثاء ، ووزنها حينئذ " عفلن " ثم قلب الواو همزة ، فصار : " أثَرْنَ " ، وهذا بعيد جداً ، وعلى تقدير التسليم ، فقلب الواو المفتوحة همزة لا ينقاس ، إنما جاءت منه ألفاظ كـ " احد وأناة " والنقع : الغبار . وأنشد : [ البسيط ] @ 5274 - يَخْرُجْنَ مِنْ مُسْتَطَارِ دَائمَةً كَأنَّ آذَانهَا أطْرافُ أقْلامِ @@ وقال ابن رواحة : [ الوافر ] @ 5275 - عَدِمتُ بُنَيَّتِي إنْ لَمْ تَروْهَا تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنفَيْ كَدَاءِ @@ وقال أبو عبيدة : النقع ، رفع الصوت ؛ قال لبيدٌ : [ الرمل ] @ 5276 - فَمتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صَادِقٌ يُحْلبُوهَا ذَاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ @@ يروى : " يجلبوها " أيضاً ، يقول : متى سمعوا صراخاً أجلبوا الحرب ، أي : جمعوا لها ، وقوله : " ينقع صراخ " يعني رفع الصوت . قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالنَّقع : الصياح ، من قوله عليه الصلاة والسلام : " لَمْ يكُنْ نَقعٌ ولا لَقلَقةٌ " . وقول لبيد : [ الرمل ] @ 5277 - فَمتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ @@ أي : فهيجن في المغار عليهم صياحاً وجلبة . وقال أبو عبيد : وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم ، انتهى . فعلى هذا تكون الباء بمعنى " في " ويعود الضمير على المكان الذي فيه الإغارة ، كما تقدم . وقال الكسائيُّ : قوله : " نقْعٌ ولا لقْلقَةٌ " النّقع : صنعة الطعام ، يعني في المأتم يقال منه : نقعت أنقع نقعاً . قال أبو عبيد : ذهب بالنقع إلى النقيعة ، وإنما النقيعة عند غيره من العلماء : صنعة الطعام عند القدوم من سفر ، لا في المأتم . وقال بعضهم : يريد عمرو بالنقع وضع التراب على الرأس فذهب إلى أن النقع هو التراب . قال القرطبي : ولا أحسب عمراً ذهب إلى هذا ، ولا خافه منهن ، وكيف يبلغ خوفه ذا ، وهو يكره لهن القيام ، فقال : وهو الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه ، وليس النقع عندي في هذا الحديث إلا الصوت الشديد ، وأما اللَّقلقة : فشدة الصوت ، ولم أسمع فيه اختلافاً . [ قال محمد بن كعب القرظي : النقع بين " مزدلفة " إلى " منى " . وقيل : إنه طريق الوادي ، ولعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع . وفي " الصحاح " النقع الغبار ، والجمع : النقاع والنقع محبس الماء ، وكذلك ما اجتمع في البئر منه . وفي الحديث : أنه نهى أن يمنع نقع البئر . والنقع : الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء ، والجمع : نقاع وأنقع ، مثل : بحار وبحر وأبحر ] . قوله : { فَوَسَطْنَ } . العامة على تخفيف السين . وفي الهاء في " به " أوجه : أحدها : أنها للصبح . والثاني : أنها للنَّقع ، أي : وسطن النقع الجمع ، أي : جعلن الغبار وسط الجمع . والباء للتعدية ، وعلى الأول هي ظرفية . الثالث : الباء للحالية ، أي فتوسطن ملتبساً بالنقع ، أي : بالغبار ، جمعاً من جموع الأعداء . وقيل : الباء مزيدة نقله أبو البقاء . و " جَمْعاً " على هذه الأوجه : مفعول به . الرابع : أن المراد بـ " جمع " " المزدلفة " وهي تسمى جمعاً ، والمراد : أن الإبل تتوسط جمعاً الذي هو " المزدلفة " ، كما مرَّ عن أمير المؤمنين فالمراد بالجمع مكان ، لا جماعة الناس ، كقول صفية : [ الوافر ] @ 5278 - فَلا والعَاديَاتِ غَداةَ جَمْعٍ @@ وقول بشر بن أبي خازم : [ الكامل ] @ 5279 - فَوَسَطْنَ جَمعهُمُ وأفْلتَ حَاجبٌ تَحْتَ العَجاجَةِ في الغُبَارِ الأقْتَمِ @@ و " جَمْعاً " على هذا منصوب على الظرف ، وعلى هذا فيكون الضمير في " به " إما للوقت أي في وقت الصبح ، وإما للنقع ، وتكون الباء للحال ، أي : ملتبسات بالنقع ، إلا أنه يشكل نصب الظرف المختص إذ كان حقه أن يتعدى إليه بـ " في " . وقال أبو البقاء : إن " جمعاً " حال ، وسبقه إليه مكي . وفيه بعد ؛ إذ المعنى على أن الخيل توسطت جمع الناس . وقرأ علي ، وزيد بن علي ، وقتادة ، وابن أبي ليلى : بتشديد السين ، وهما لغتان بمعنى واحد . وقال الزمخشري : التشديد للتعدية ، والباء مزيدة للتأكيد ، كقوله تعالى : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [ البقرة : 25 ] وهي مبالغة في وسطن " انتهى . وقوله : " وهي مبالغة " تناقض قوله أولاً للتعدية ، لأن التشديد للمبالغة لا يكسب الفعل مفعولاً آخر ، تقول : " ذبحت الغنم " مخففاً ، ثم تبالغ فتقول : " ذبَّحتها " - مثقلاً - وهذا على رأيه قد جعله متعدياً بنفسه ، بدليل جعله الباء مزيدة ، فلا تكون للمبالغة . فصل في معنى الآية المعنى : فوسطن بركبانهن العدو ، أي : الجمع الذين أغاروا عليهم . وقال ابن مسعود : " فوسَطْنَ بِهِ جَمْعاً " يعني " مزدلفة " ، وسميت جمعاً لاجتماع الناس فيها . ويقال : وسطت القوم أسطهم وسطاً وسطة ، أي : صرت وسطهم ، وقد أكثر الناس في وصف الخيل وهذا الذي ذكره الله أحسن . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخَيْلُ معْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ " وقال أيضاً : " ظهرها حرز وبطنها كنز " . ويروى أن بنت امرئ القيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هل أنزل عليك ربُّك كلاماً في صفةِ الخَيْل كلاماً أفصح مما قاله جدِّي ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : " وما قال جدّكِ " . ؟ قالت : [ الطويل ] @ 5280 - مِكَرٍّ مُقْبلٍ مُدبِرٍ معاً كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَل @@ فقال - عليه الصلاة والسلام - : { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } الآيات فأسلمت .