Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 6-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } . هذا هو المقسم عليه ، و " لرَبِّهِ " متعلق بالخبر ، وقدم الفواصل ، والكنُود : الجحود . وقيل : الكفور لنعمه ، وأنشد : [ الطويل ] @ 5281 - كَنُودٌ لِنعْمَاءِ الرِّجَالِ ومَـنْ يَكُـنْ كَنُوداً لِنعْماءِ الرِّجَالِ يُبعَّـدِ @@ وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - هو بلسان " كندة " و " حضرموت " : العاصي ، وبلسان " ربيعة " و " مضر " : الكفور ، وبلسان " كنانة " : البخيل . وأنشد أبو زيد : [ الخفيف ] @ 5282 - إنْ تَفُتْنِي فلمْ أطِبْ عَنْـكَ نَفْسـاً غَيْرَ أنِّي أمْسِي بِدهْرٍ كَنُودِ @@ وقيل : لسان الجاحد للحق . وقيل : إنما سميت كندة لأنها جحدت أباها . وقيل : الكنود : من كند إذا قطع ، كأنه يقطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر ، ويقال : كند الخيل : إذا قطع ؛ قال الأعشى : [ المتقارب ] @ 5283 - يُعْطِـي عَطـاءً بِصُلـبِ الفُـؤادِ وصُـولِ حِبَـالٍ وكنَّادِهَـا @@ فهذا يدل على القطع ، ويقال : كند يكند كنوداً ، أي : كفر النعمة وجحدها ، فهو كنود ، وامرأة كنود أيضاً ، وكند مثله ؛ قال الأعشى : [ الكامل ] @ 5284 - أحْدِثْ لهَا تُحدِثُ لوصْلِكَ إنَّهَا كُنُدٌ لوِصْلِ الزَّائرِ المُعْتَادِ @@ أي : كفور للمواصلة ، وروى أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكنُودُ : هُو الَّذي يَأكلُ وحدهُ ، ويمنعُ رفدهُ ، ويَضربُ عَبْدَهُ " خرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول . وقال الحسن : الكنود اللوام لربه يعد المحن والمصيبات ، وينسى النعم والراحات ، وهو كقوله تعالى : { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [ الفجر : 16 ] . واعلم أن الكنود لا يخرج عن أن يكون كفراً أو فسقاً ، وكيفما كان فلان يمكن حمله على كل الناس ، فلا بد من صرفه إلى كافر معين ، وإن حملناه على الكل فالمعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقه . قال ابن عباس : الإنسان هنا الكافر ، يقول : إنه لكفور ، ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئاً . وقال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة . وقال أبو بكر الواسطي : الكنُود : الذي ينفق نعم اللهِ في معاصي الله . وقال ذو النون المصري : الهلوع والكنود : هو الذي إذا مسه الشرُّ جزوعٌ ، وإذا مسَّه الخيرُ منوع . وقيل : هو الحسود الحقود . قال القرطبي : " هذه الأقوال كلُّها ترجع إلى معنى الكفران والجحود " . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي ، لقوله : { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } [ العاديات : 19 ] ولا يليق إلا بالكافر المنكر لذلك . قوله : { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } . أي : وإن الله - تعالى - على ذلك من ابن آدم لشهيد ، قاله ابن عباس ومجاهد وأكثر المفسرين . وقال الحسن وقتادة ومحمد بن كعب : " وإنَّهُ " أي : وإن الإنسان لشاهدٌ على نفسه بما يصنع كقوله تعالى بعد ذلك : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } . والأول أولى ؛ لأنه كالوعيد والزجر له عن المعاصي . قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ } . اللام متعلقة بـ " شديد " وفيه وجهان : أحدهما : أنها المعدية ، والمعنى : وإنه لقوي مطيق لحب الخير أي : المال ، يقال : هو شديد لهذا الأمر ، أي : مطيق له ، ويقال : لشديد : أي : بخيل ، ويقال للبخيل : شديد ومتشدِّد ؛ قال طرفة : [ الطويل ] @ 5285 - أرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي عَقِيلةَ مَالِ الفَاحشِ المُتَشَددِ @@ يقال : اعتامه واعتماه : أي : اختاره ، والفاحش : البخيل أيضاً ؛ قال تعالى : { وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } [ البقرة : 268 ] أي : البخل . قال ابن زيد : سمى الله المال خيراً ، وعسى أن يكون شراً وخيراً ، ولكن الناس يعدونه خيراً ، فسماه الله تعالى خيراً لذلك ، قال تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً } [ البقرة : 180 ] وسمى الجهاد سوءاً ، فقال : { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } [ آل عمران : 174 ] على ما يسميه الناس . الثاني : أن " اللام " للعلة ، أي : وإنه لأجل حبِّ المالِ لبخيل . وقيل : " اللام " بمعنى " على " . وقال الفراءُ : أصل نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد الحب للخير ، فلما قدم الحب قال : " لشديد " وحذف من آخره ذكر الحب ؛ لأنه قد جرى ذكره ، لرءوس الآي ، كقوله تعالى : { فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [ إبراهيم : 18 ] والعصوف : للريح لا للأيام ، فلما جرى ذكرُ الرِّيحِ قبل اليوم ، طرح من آخره ذكر الريح ، كأنه قال : في يوم عاصف الريح .