Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 9-11)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَفَلاَ يَعْلَمُ } . لما عد عليه قبائح أفعاله خوّفه ، فقال : { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } . العامل في " إذَا " أوجه : أحدهما : " بُعْثِرَ " نقله مكيٌّ عن المبرِّد . وتقدم تحريره في السورة قبلها . قال القرطبيُّ : العامل في " إذا " : " بعثر " ولا يعمل فيه " يعلمُ " إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت ؛ إنما يراد في الدنيا ، ولا يعمل فيه " خبير " لأن ما بعد " إن " لا يعمل فيما قبلها ، والعامل في " يَوْمئذٍ " : " خَبِيرٌ " وإن فصل اللام بينهما ؛ لأن موضع اللام الابتداء ، وإنما دخلت في الخبر لدخول " إن " على المبتدأ . والثاني : ما دل عليه خبر " إن " ، أي : إذا بعثر جوزوا . والثالث : أنه " يَعْلمُ " ، وإليه ذهب الحوفي وأبو البقاء ، وردّه مكي ، قال : " لأن الإنسان لا يراد منه العلم والاعتبار ذلك الوقت ، وإنما يعتبر في الدنيا ويعلم " . قال أبو حيان : " وليس بمتضح ، لأن المعنى : أفلا يعلم الآن " . وكان قال قبل ذلك : " ومفعول " يعلم " محذوف ، وهو العامل في الظرف ؛ أي : أفلا يعلم ما مآله إذا بُعثر " انتهى . فجعلها متعدية في ظاهر قوله إلى واحد ، وعلى هذا فقد يقال : إنها عاملة في " إذا " على سبيل أن " إذا " مفعول به لا ظرف ؛ إذ التقدير : أفلا يعرف وقت بعثرة القبور ، يعني أن يقر بالبعث ووقته ، و " إذا " قد تصرفت وخرجت عن الظرفية ، ولذلك شواهد تقدم ذكرها . الرابع : أن العامل فيها محذوف ، وهو مفعول " يَعْلَمُ " ، كما تقدم . وقرأ العامة : " بُعْثِرَ " - بالعين - مبنيًّا للمفعول ، والموصول قائم مقام الفاعل . وابن مسعود : بالحاء . قال الفرَّاءُ : سمعت بعض أعراب بني أسد يقرأ " بحثر " بالحاء وحكاه الماوردي عن ابن مسعودٍ . وقرأ الأسود بن زيد ومحمد بن معدان : " بحث " من البحث . وقرأ نصر بن عاصم : " بَعْثَرَ " مبنياً للفاعل ، وهو اللهُ أو الملك . فصل في معنى الآية المعنى " أفَلا يَعْلمُ " ، أي : ابن آدم " إذَا بُعْثِرَ " أي : أثير وقلب وبحث ، فأخرج ما فيها . قال أبو عبيدة : بعثرت المتاع ، جعله أسفله أعلاه . قال محمد بن كعب : ذلك حين يبعثون . فإن قيل : لم قال : " بُعثِرَ ما في القُبُور " ولم يقل : من في القبور ؟ ثم إنه - تعالى - لما قال : " مَا فِي القُبورِ " فلم قال : { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } ؟ . فالجواب عن الأول : أن ما في الأرض غير المكلفين أكثر ، فأخرج الكلام على الأغلب ، أو أنهم حال ما يبعثرون لا يكونون أحياء عقلاء ، بل يصيرون كذلك بعد البعث ، فلذلك كان الضمير الأول غير العقلاء ، والضمير الثاني ضمير العقلاء . قوله : { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } ، قرأ العامة : " حصّل " مبنيًّا للفاعل وروي عن ابن عمر ، وعبيد بن عمير ، وسعيد بن جبير ونصر أيضاً " حصل " خفيف الصاد مبنياً للفاعل بمعنى جميع ما في الصحف محصلاً ، والتحصيل : جمع الشيء ، والحصول : اجتماعه ، والاسم : الحصيلة . قال لبيد : [ الطويل ] @ 5289 - وكُلُّ امرِئٍ يَوماً سَيعْلَمُ سَعْيهُ إذا حُصِّلتْ عِنْدَ الإلهِ الحَواصِلُ @@ والتحصيل : التمييز ، ومنه قيل للمنخل : محصل ، وحصل الشيء - مخففاً - ظهر واستبان وعليه القراءة الأخيرة . وقال المفسرون : " وحُصِّل ما في الصُّدورِ " أي : ميز ما فيها من خير وشر ، وقال ابن عباس : أبرز . قال ابن الخطيب : وخص أعمال القلوب بالذكر دون أعمال الجوارح ؛ لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب ؛ لأنه لولا البواعث والإرادات ، لما حصلت أعمال الجوارح . قوله : { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ } . العامة : على كسر الهمزة لوجود اللام في خبرها ، والظاهر أنها معلقة لـ " يَعْلَمُ " فهي في محل نصب ، ولكن لا يعمل في " إذا " خبرها ، لما تقدم ، بل يقدر له عامل من معناه كما تقدم . ويدل على أنها معلقة للعلم ، ولا مستأنفة . وقراءة أبي السمال وغيره : " أنَّ ربَّهم بهم يومئذٍ خبير " ، بالفتح وإسقاط اللام ، فإنها في هذه القراءة سادة مسد مفعولها . ويحكى عن الحجاج - الخبيث الروح - أنه لما فتح همزة " أن " استدرك على نفسه ، وتعمد سقوط اللام ، وهذا إن صح كفر ، ولا يقال : إنها قراءة ثابتة ، كما نقل عن أبي السمَّال فلا يكفر ، لأنه لو قرأها كذلك ناقلاً لها لم يمنع منه ، ولكنه أسقط اللام عمداً إصلاحاً للسانه ، واجتمعت الأمة على أن من زاد حرفاً ، أو نقص حرفاً في القرآن عمداً فهو كافر . قال شهاب الدين : وإنما قلت ذلك لأني رأيت أبا حيَّان قال : وقرأ أبو السمال والحجاج ، ولا يحفظ عن الحجاج إلا هذا الأثر السوء ، والناس ينقلونه عنه كذلك ، وهو أقل من أن ينقل عنه . " ربهم ، ويومئذ " متعلقان بالخبر ، واللام غير مانعة من ذلك ، وقدما لأجل الفاصلة ، ومعنى " خَبِيرٌ " أي : عالم لا يخفى عليه منهم خافية ، وهو عالم بهم في ذلك اليوم ، وفي غيره ، ولكن المعنى : أنه يجازيهم في ذلك اليوم . روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورةَ { وَٱلْعَادِيَاتِ } أعطيَ مِنَ الأجْرِ عَشْرَ حسَناتٍ بعددِ مَنْ بَاتَ بالمُزدلفةِ ، وشَهِدَ جَمْعاً " ، والله أعلم وهو حزبي .