Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 101, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱلْقَارِعَةُ مَا ٱلْقَارِعَةُ } كقوله تعالى : { ٱلْحَاقَّةُ مَا ٱلْحَآقَّةُ } [ الحاقة : 1 ، 2 ] ، وكقوله تعالى : { وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } [ الواقعة : 27 ] ، وقد تقدم ما نقله مكي من أنه يجوز رفع " القَارِعَةُ " بفعل مضمر ناصب لـ " يوم " . وقيل : ستأتيكم القارعة . وقيل : القارعة : مبتدأ وما بعده الخبر . وقيل : معنى الكلام على التحذير . قال الزجاجُ : والعرب تحذر ، وتغري بالرفع كالنصب ، وأنشد : [ الخفيف ] @ 5287 - لجَدِيـرُونَ بالوَفَـاءِ إذَا قَـا لَ أخُـو النَّجـدةِ : السِّـلاحُ السِّـلاحُ @@ وقد تقدم ذلك في قوله تعالى : { نَاقَةَ ٱللَّهِ } [ الشمس : 13 ] ، فيمن رفعه ، ويدل على ذلك قراءة عيسى : " القَارِعَة ما القارعة " بالنصب ، بإضمار فعل ، أي : احذروا القارعة و " مَا " زائدة ، و " القَارِعَة " تأكيد للأولى تأكيداً لفظيًّا . والقرعُ : الضرب بشدةٍ واعتماد . والمراد بالقارعة : القيامة ، لأنها تقرع الخلائق بأهوالها ، وأفزاعها . وأهل اللغة يقولون : تقول العرب : قرعتهم القارعة ، وفقرتهم الفاقرة ، إذا وقع بهم أمر فظيع ، قال تعالى : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ } [ الرعد : 31 ] ، وهي الشديدة من شدائد الدَّهرِ . قوله تعالى : { مَا ٱلْقَارِعَةُ } استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها ، كقوله تعالى : { ٱلْحَاقَّةُ مَا ٱلْحَآقَّةُ } [ الحاقة : 1 ، 2 ] ، واختلفوا في سبب تسمية القيامة بالقارعة ، فقيل : المراد بالقارعة : الصيحة التي يموت منها الخلائقُ ؛ لأنها تقرع أسماعهم . وقيل : إنَّ الأجرام العلوية والسفلية يصطكّان ، فيموت العالم بسبب تلك القرعة ، فلذلك سميت بالقارعة ، [ وقيل : تقرع الناس بالأهوال كانشقاق السموات ، وأقطارها وتكوير الشمس ، وانتثار الكواكب ، ودك الجبال ونسفها ، وطي الأرض . وقيل : لأنها تقرع أعداء الله بالعذاب ] ، وقوله تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } ، أي : لا علم لك بكنهها ؛ لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد ، وعلى هذا يكون آخر السورة مطابقاً لأولها . فإن قيل : هاهنا قال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } ، ثم قال في آخر السورة : { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } ، ولم يقل : وما أدراك ما هاوية ؟ فالجواب : الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس ، وكونها هاوية ليس كذلك ، فظهر الفرق . قوله : { يَوْمَ يَكُونُ } . في ناصب " يَوْمَ " أوجه : أحدها : مضمر يدلّ عليه القارعة ، أي : تقرعهم يوم يكون وقيل : تقديره : تأتي القارعة يوم . الثاني : أنه اذكر مقدراً ، فهو مفعول به لا ظرف . الثالث : أنه " القَارِعَةُ " قاله ابن عطية ، وأبو البقاء ، ومكيٌّ . قال أبو حيان : فإن كان عنى ابن عطيَّة اللفظ الأول ، فلا يجوز ، للفصل بين العاملين وهو في صلة " أل " والمعمول بأجنبي ، وهو الخبر ، وإن جعل القارعة علماً للقيامة ، فلا يعمل أيضاً ، وإن عنى الثاني والثالث ، فلا يلتئم معنى الظرفية معه . الرابع : أنه فعل مقدر رافع للقارعة الأولى ، كأنه قيل : تأتي القارعة يوم يكون . قاله مكي . وعلى هذا يكون ما بينهما اعتراضاً ، وهو بعيد جداً منافر لنظم الكلامِ . وقرأ زيد بن علي : " يَوْمُ " بالرفع ، خبراً لمبتدأ محذوف ، أي : وقتها يوم . قوله : " كالفَراشِ " . يجوز أن يكون خبراً للناقصة ، وأن يكون حالاً من فاعل التامة ، أي : يؤخذون ويحشرون شبه الفراش ، وهو طائر معروف . وقال قتادة : الفراش : الطَّير الذي يتساقط في النار والسراج ، الواحدة : فراشة . وقال الفراءُ : هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما ، وبه يضرب المثل في الطّيش والهوج ، يقال : أطيش من فراشة ؛ وأنشد : [ البسيط ] @ 5288 - فَراشَةُ الحِلْمِ فِرعَوْنُ العَذابُ وإنْ يَطلُـبْ نَداهُ فَكَلْبٌ دُونَهُ كُلُـبُ @@ وقال آخر : [ الطويل ] @ 5289 - وقَدْ كَانَ أقْوَامٌ رَدَدْتَ قُلوبَهُمْ عَليْهِمْ وكَانُوا كالفَراشِ مِنَ الجَهْلِ @@ وقال آخر : [ الرجز ] @ 5290 - طُويِّـشٌ مـن نَـفـرٍ أطْيَـاشِ أطْيَـشُ مـن طَائـرةِ الـفَـراشِ @@ والفراشة : الماءُ القليلُ في الإناء وفراشة القُفل لشبهها بالفراشة ، وروى " مسلم " عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَثلِي ومَثلكُمْ كَمَثلِ رجُلٍ أوْقدَ نَاراً فجعَلَ الجنَادِبُ والفراشُ يَقعْنَ فِيهَا وهو يذُبُّهُنَّ عَنْهَا ، وأنَا آخِذٌ بحُجَزِكُمْ عَن النَّارِ ، وأنْتُمْ تَفْلتُونَ مِنْ يَدِي " . في تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتَّى : منها الطيشُ الذي يلحقهم ، وانتشارهم في الأرض ، وركوب بعضهم بعضاً ، والكثرة ، والضعف ، والذلة والمجيء من غير ذهاب ، والقصد إلى الداعي من كل جهة ، والتطاير إلى النار ؛ قال جريرٌ : [ الكامل ] @ 5291 - إنَّ الفَرزْدَقَ ما عَلمْتَ وقوْمَهُ مِثْلُ الفَرَاشِ غشيْنَ نَارَ المُصْطَلِي @@ والمبثوث : المتفرق ، وقال تعالى في موضع آخر : { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [ القمر : 7 ] . فأول حالهم كالفراش لا وجه له يتحير في كل وجه ، ثم يكون كالجراد ، لأن لها وجهاً تقصده والمبثوث : المتفرق المنتشر ، وإنما ذكر على اللفظ كقوله تعالى : { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] . قال ابن عباس : " كالفَرَاشِ المبثُوثِ " كغوغاء الجراد ، يركب بعضها بعضاً ، كذلك الناس ، يجول بعضهم في بعض إذا بعثوا . فإن قيل كيف يشبهُ الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً ، لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث ؟ . فالجواب : أما التشبيه بالفرش ، فبذهاب كل واحد إلى جهة الآخر ، وأما التشبيه بالجراد ، فبالكثرة والتتابع ، ويكون كباراً ، ثم يكون صغاراً . قوله : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } . أي : الصوف الذي ينفش باليد ، أي : تصير هباء وتزول ، كقوله تعالى : { هَبَآءً مُّنبَثّاً } [ الواقعة : 6 ] . قال أهل اللغة : العهنُ : الصوف المصبوغ . وقد تقدم .