Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 101, Ayat: 6-11)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } . في الموازين قولان : أحدهما : أنه جمع موزون ، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى ، وهذا قول الفراء ، ونظيره قولك : له عندي درهم بميزان درهمك ، ووزن درهمك ، ويقولون : داري بميزان ووزن دارك ، أي : حذاؤها . والثاني : قال ابن عباس : جمع ميزان لها لسان وكتفان يوزن فيه الأعمال . [ وقد تقدم القول في الميزان في سورة " الأعراف " و " الكهف " و " الأنبياء " ، وأنه له كفة ولسان يوزن فيها الصحف المكتوب فيها الحسنات ، والسيئات . ثم قيل : إنه ميزان واحد بيد جبريل عليه السلام يزن به أعمال بني آدم ، فعبر عنه بلفظ الجمع . وقيل : موازين لكل حادثة ميزان ] . وقيل : الموازين : الحجج والدلائل ، قاله عبد العزيز بن يحيى . واستشهد بقول الشاعر : [ الكامل ] @ 5292 - قَـدْ كُنْـتُ قَبْـلَ لِقَـائِكُـمْ ذَا مِـرَّةٍ عِنْـدِي لكُـلّ مُخَاصِـم مِيزانـهُ @@ ومعنى { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } ، أي : عيش مرضي ، يرضاه صاحبه . وقيل : { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } ، أي : فاعله للرضا ، وهو اللين والانقياد لأهلها ، فالفعل للعيشة ؛ لأنها أعطت الرضا من نفسها ، وهو اللين والانقياد . فالعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة ، فهي فاعلة للرضا كالفرس المرفوعة ، وارتفاعها مقدار مائة عام ، فإذا دنا منها ولي الله اتضعت حتى يستوي عليها ، ثم ترتفع ، وكذلك فروع الشجرة تتدلى لارتفاعها للولي ، فإذا تناول من ثمرها ترتفع ، كقوله تعالى : { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } [ الحاقة : 23 ] وحيثما مشى من مكان إلى مكان جرى معه نهر حيث شاء . قوله : { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } ، أي : رجحت سيئاته على حسناته ، قال مقاتل وابن حيان : إنما رجحت الحسناتُ ؛ لأن الحق ثقيلٌ ، والباطل خفيفٌ . قوله : { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } ، أي : هالكة ، وهذا مثل يقولونه لمن هلك ، تقول : هوت أمه لأنه إذا هلك سقطت أمه ثكلاً وحزناً ، وعليه قوله فهي هاوية ، أي : ثاكلة ، قال : [ الطويل ] @ 5293 - هَوَتْ أمُّهُ ما يَبْعَثُ الصُّبْحَ غَادِياً ومَاذَا يُؤدِّي اللَّيلُ حينُ يَثُوبُ @@ فكأنه قال تعالى : من خفت موازينه فقد هلك . وقيل : الهاوية من أسماء النار ، كأنها النار العميقة يهوي أهل النار فيها والمعنى : فمأواهم النار . وقيل للمأوى : أم ، على سبيل التشبيه بالأم ، كما يأوي إلى أمه ، قاله ابن زيد . ومنه قول أمية بن أبي الصلت : [ الكامل ] @ 5294 - فـالأرْضُ مَعْقِلُنَـا وكَانَـتْ أمَّنَـا فِيهَـا مَقـابِـرُنَـا وفِيهَـا نُولَـدُ @@ ويروى أن الهاوية اسم الباب الأسفل من النار . وقال عكرمة : لأنه يهوي فيها على أم رأسه . وذكر الأخفش والكلبي وقتادة : المهوى والمهواة ما بين الجبلين ، ونحو ذلك ، وتهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في أثر بعض . وقرأ طلحة : " فإمّه " بكسر الهمزة ، نقل ابن خالوية عن ابن دريد ، أنها لغة النحويين لا يجيزون ذلك إلا إذا تقدمها كسرة أو ياء . وقد تقدم تحقيق ذلك في سورة " النساء " . قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } ، الأصل : " مَا هِيَ " فدخلت الهاء للسكت . وقرأ حمزة ، والكسائي ، ويعقوب ، وابن محيصن : " مَا هِيَ " بغير هاء في الوصل ووقفوا بها ، وقد تقدم في سورة " الحَاقَّة " . و " مَا هِيَ " مبتدأ وخبر ، سادَّان مسد المفعولين لـ " أدْرَاكَ " ، وهو من التعليق ، وهي ضمير الهاويةِ ، إن كانت الهاوية - كما قيل - اسماً لدركه من دركات النَّار ، وإلا عادت إلى الداهية المفهومة من الهاوية . قوله : { نَارٌ حَامِيَةٌ } . " نارٌ " خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي نار شديدة الحر . روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتي يُوقِدُ ابنُ آدَمَ جزءٌ من سبعينَ جُزْءاً من حرِّ جَهَنَّم " ، قالوا : إنها لكافية يا رسول الله ، قال - عليه الصلاة والسلام - " فإنَّها فُضِّلت عَليْهَا بِتِسْعَةٍ وستِّين جُزءاً كُلُّهَا مِثلُ حرِّهَا " " . روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ { ٱلْقَارِعَةُ } ثقل اللهُ مَوَازِينَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ " والله أعلم .