Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَة } ، " الوَيْل " لفظ الذم والسّخط ، وهي كلمة كل مكروب ، وقد تقدم الكلام في الويل ، ومعناه : الخزي ، والعذاب ، والهلكة . وقيل : وادٍ في جهنم . { لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } ، أي : كثير الهمز ، وكذلك " اللُّمَزَة " ، أي : الكثير اللَّمْز . وتقدم معنى الهمز في سورة " ن " واللمز في سورة " براءة " . والعامة : على فتح ميمها ، على أن المراد الشخص الذي كثر منه ذلك الفعل . قال زياد الأعجم : [ البسيط ] @ 5302 - تُدْلِي بِوُدِّي إذَا لاقَيْتَنِي كَذِباً وإنْ أغَيَّبْ فأنْتَ الهَامِزُ اللُّمَزَه @@ وقرأ أبو جعفر والأعرج : بالسكون ، وهو الذي يهمز ويلمز أي يأتي بما يلمز به واللمزة كالضحكة [ لمن يكثر ضحكه ، والضحكة : بما يأتي لمن يضحك منه وهو مطرد ، يعني أن " فُعَلَة " بفتح العين ، لمن يكثر من الفعل ، وبسكونها لمن الفعل بسببه ] . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وهم المشَّاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبُرآء العيب ، فعلى هذا هما بمعنى ، وقال صلى الله عليه وسلم : " شِرارُ عبادِ اللهِ تَعالَى : المشَّاءُونَ بالنَّمِيمَةِ المفسِدُونَ بَيْنَ الأحبَّةِ ، الباغُونَ للبُرَآءِ العَيْبَ " . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن الهمزة : القتَّات ، واللُّمزة : المغتاب ، والقتَّاتُ : هو النمام ، يقال : قتّ الحديث يقتّه : إذا زوره وهيّأه وسواه . [ وقيل : النَّمامُ الذي يكون مع القوم يتحدثون لينمّ عليهم ، والقتَّات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ، ثم ينم ، والقتات الذي يسأل عن الأخبار ، ثم ينميها نقله ابن الأثير . وقال أبو العالية ، والحسن ، ومجاهد ، وعطاء بن أبي رباح : الهمزة : الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل ، واللُّمزة : الذي يعيب به من خلفه ، وهذا اختيار النحاس . قال : ومنه قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } [ التوبة : 58 ] . وقال مقاتل هنا هذا القول : إن الهمزة : الذي يغتاب بالغيبة ، واللمزة الذي يغتاب في الوجه . وقال قتادة ، ومجاهد : الهمزة : الطَّعَّان في أنسابهم ، وقال ابن زيد : الهامز : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللامز : الذي يلمزهم بلسانه ويلمز بعينه ] . وقال ابن كيسان : الهمزة : الذي يؤدي جلساءه بسوء اللفظ ، واللُّمزة : الذي يكسر عينه على جليسه ، ويشير بعينه ، ورأسه ، وبحاجبيه . وقرأ عبد الله بن مسعود ، وأبو وائل ، والنخعي ، والأعمش : " ويلٌ للهمزة اللمزة " . وأصل الهمز : الكسر ، والعض على الشيء بعنف ، ومنه همز الحرف ، ويقال : همزت رأسه ، وهمزت الجوز بكفي : كسرته . وقيل : أصل الهمزِ ، واللمز : الدفع والضرب لمزه يلمزه لمزاً ، إذا ضربه ، ودفعه ، وكذلك همزه : أي : دفعه ، وضربه ؛ قال الراجز : [ الرجز ] @ 5303 - ومَـنْ هَمَزْنَـا عِـزَّهُ تَبَركَعَـا عَلى اسْتِـهِ زَوْبعَـةً أوْ زَوْبَعَـا @@ البركعة : القيام على أربع , وبركعه فتبركع ، صرعه ، فوقع على استه ، قاله في " الصحاح " . فصل فيمن نزلت فيه السورة روى الضحاك عن ابن عبَّاس : أنها نزلت في الأخنس بن شريق ، كان يلمز الناس ، ويعيبهم مقبلين ، ومدبرين . وقال ابن جريج : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم من ورائه ، ويقدح فيه في وجهه . وقيل : إنها نزلت في أبي بن خلف . وقيل : في جميل بن عامر الثقفي . وقيل : إنها عامة من غير تخصيص ، وهو قول الأكثرين . قال مجاهد : ليست بخاصة لأحد ، بل لكل من كانت هذه صفته . وقال الفراءُ : يجوز أن يذكر الشيء العام ، ويقصد به الخاص ، قصد الواحد إذا قال : أزورك أبداً ، فتقول : من لم يزرني فلست بزائره ، تعني ذلك القائل . فصل في نظم الآية قال ابن الخطيب : فإن قيل : لم قال : " ويلٌ " منكراً ، وفي موضع آخر : " ولَكُمُ الويْلُ " ، معرفاً ؟ . فالجواب : لأن ثمة قالوا : { يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 14 ، 46 ] ، فقال : " ولكُمُ الويْلُ " وهاهنا نكر ، حتى لا يعلم كنهه إلا الله تعالى . قيل : في " ويْلٌ " إنها كلمة تقبيح ، و " ويس " استصغار ، " ويح " ترحم ، فنبه بهذا على قبيح هذا الفعل . قوله : { ٱلَّذِى جَمَعَ } قرأ ابن عامر والأخوان : بتشديد الميم ، على المبالغة ، والتكثير . والباقون : مخففاً ، وهي محتملة للتكثير وعدمه . وقوله تعالى : { وَعَدَّدَهُ } ، العامة : على تثقيل الدَّال الأولى ، وهي أيضاً للمبالغة . وقرأ الحسن والكلبي : بتخفيفها ، وفيه أوجه : أحدها : أن المعنى جمع مالاً ، وعدد ذلك المال ، أي : وجمع عدده : أي : أحصاه . والثاني : أن المعنى وجمع عدد نفسه من عشيرته ، وأقاربه وعدده ، وعلى هذين التأويلين اسم معطوف على " مالاً " ، أي : وجمع عدد المال ، وعدد نفسه . والثالث : أن عدده فعل ماض بمعنى عده ، إلا أنه شذّ في إظهاره كما شذَّ في قوله : [ البسيط ] @ 5293 - … إنِّ أجُـودُ لأقـوامٍ وإنْ ضَنِنُـوا @@ أي : ضنوا وبخلوا ، فأظهر التضعيف . و " الذي " بدل من كل أو نصب على الذم ، وإنما وصفه تعالى بهذا الوصف ، لأنه يجري مجرى المسبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال ، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فسيتنقص غيره . فصل في معنى جمع المال قال المفسرون : { جَمَعَ مالاً وعدَّدهُ } ، أي : أعده لنوائب الدهر ، مثل : كرم ، وأكرم . وقيل : أحصى عدده . قاله السدي . وقال الضحاكُ : أي : أعد ماله لمن يرثه من أولاده . وقيل : تفاخر بعدده ، وكثرته ، والمقصود : الذم على إمساك المال على سبيل الطاعة ، كقوله : { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } [ ق : 25 ] . قوله : { يَحْسَبُ } ، يجوز أن يكون مستأنفاً ، وأن يكون حالاً من فاعل " جَمَعَ " ، و " أخْلدهُ " بمعنى : " يُخلِدهُ " وأوقع الماضي موقع المضارع . وقيل : هو على الأصل ، أي : أطال عمره . قال السديُّ : " يظن أن ماله أخلده ، أي : يبقيه حياً لا يموت " . وقال عكرمة : أي : يزيد في عمره وقيل : أحياه فيما مضى . وهو ماض بمعنى المستقبل ، وقالوا : هلك والله فلان ، ودخل النار . أي : يدخل النار .