Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 104, Ayat: 4-9)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { كَلاَّ } ، رد لما توهمه الكفار ، أي : لا يخلد ولا يبقى له مال . وقيل : حقاً لينبذن . قوله : { لَيُنبَذَنَّ } ، جواب قسم مقدر ، وقرأ علي والحسن - رضي الله عنهما - بخلاف عنه ، ومحمد بن كعب ، ونصر بن عاصم ، وحميد ، وابن محيصن ، وأبو عمرو في رواية : " لَيُنْبذَنَّ " بألف التثنية ، لينبذان أي : هو وماله . وعن الحسن أيضاً : " ليُنبذُنَّ " بضم الذال ، وهو مسند لضمير الجماعة ، أي : ليطرحن الهمزة ، وأنصاره واللمزة ، والمال ، وجامعه معاً . وقرأ الحسن أيضاً : " ليُنبذَنَّهُ " على معنى لينبذن ماله . وعنه أيضاً : بالنون " لَنَنْبُذَنَّهُ " على إخبار الله - تعالى - عن نفسه ، وأنه ينبذ صاحب المال . { فِي ٱلْحُطَمَةِ } وهي نار الله ، سميت بذلك ؛ لأنها تكسر كل ما يلقى فيها وتحطمه ، وتهشمه ، والحطمة : الكثير الحطم ، يقال : رجل حطمة : أي أكول ، وحطمته : كسرته ، قال : [ الرجز ] @ 5304 - … قَدْ لفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ @@ وقال آخر : [ الرجز ] @ 5305 - إنَّا حَطَمْنَا بالقَضيـبِ مُصْعبَـا يَوْمَ كَسرْنَا أنفهُ ليَغْضَبَـا @@ حكى الماوردي عن الكلبي : ان الحطمة ، هي الطبقة السادسة من طبقات جهنم ، وحكي القشيريُّ عنه : " الحُطمةُ " الدرجة الثانية من درج النار . وقال الضحاك : وهي الدرك الرابع . وقال ابن زيدٍ : اسم من أسماء جهنم . قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } ، على التعظيم لشأنها ، والتفخيم لأمرها : ثم فسرها ما هي فقال : { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } ، أي : هي نار الله التي أوقد عليها ألف عام ، حتى احمرت ، وألف عام حتى اسودّت ، وألف عام حتى ابيضّت . قوله : { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ } يجوز أن تكون تابعة لـ " نارُ اللهِ " ، وأن تكون مقطوعة . قال محمد بن كعب : تأكل النار جميع ما في أجسادهم ، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد ، خلقوا خلقاً جديداً ، فرجعت تأكلهم ، وكذلك روى خالد بن أبي عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ النار تأكل أهلها ، حتى إذا طلعت على أفئدتهم انتهت ، ثُمَّ إذا صدروا تعود ، فلذلك قوله تعالى : { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } " وخص الأفئدة ؛ لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه ، أي : أنه في حال من يموت ، وهم لا يموتون ، كما قال تعالى : { لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [ طه : 74 ] فهم إذاً أحياءٌ ، في معنى الأموات . وقيل : معنى { تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } أي : تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد منهم من العذاب ، وكذلك بما استبقاه الله - تعالى - من الأمارة الدَّالة عليه ، ويقال : اطَّلَع فلان على كذا : أي : علمه ، [ وقد قال تعالى : { تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } [ المعارج : 17 ] . وقال تعالى : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [ الفرقان : 12 ] . قوله تعالى : { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } . أي : مطبقة عليهم ، قاله الحسن والضحاك وقد تقدم في سورة البلد . وقيل : مغلقة بلغة قريش ، يقولون : أصدتُ الباب : إذا أغلقته . قاله مجاهد . ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات : [ الخفيف ] @ 5306 - إنَِّ في القصْرِ لوْ دخلْنَا غَزالاً مُصْفقاً مُوصداً عليْهِ الحِجَابُ @@ قوله : { عَمَدٍ } . قرأ الأخوان وأبو بكر : بضمتين ، جمع عمود ، نحو رسول ورسل . وقيل : جمع عماد ، نحو : كتاب وكتب . وروي عن أبي عمرو : الضم ، والسكون ، وهوتخفيف لهذه القراءة . والباقون : " عَمَدٍ " بفتحتين ، فقيل : بل هو اسم جمع لـ " عمود " . وقيل : بل هو جمع له . قال الفراء : كـ " أديم وأدم " . وقال أبو عبيدة : هو جمع عماد . و " فِي عَمَدٍ " يجوز أن يكون حالاً من الضمير في " عَليهِم " ، أي : موثقين ، وأن يكون خبراً لمبتدأ مضمر ، أي : هم في عمد ، وأن يكون صفة لـ " مُؤصَدةٌ " ، قاله أبو البقاء . يعني : فتكون النَّار داخل العمد . وقال القرطبي : " الفاء بمعنى الباء ، أي : موصدة بعمد ممدة " . قاله ابن مسعود ، وهي في قراءته : " بعمد ممددة " . قال الجوهريُّ : العمُود : عمود البيت ، وجمع القلّة ، أعمدة ، وجمع الكثرة : عُمُد وعَمَد ، وقرئ بهما في قوله تعالى : { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ } . وقال أبو عبيدة : العمُود : كل مستطيل من خشب ، أو حديد ، وهو أصل للبناء مثل العماد . عمدت الشيء فانعمد أي : أقمته بعماد يعتمد عليه ، وأعمدته أي جعلت تحته عماداً . فصل في معنى الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله تَبارَكَ وتَعَالَى يَبعَثُ عَليْهِمْ مَلائِكَةً بأطْباقٍ من نَارٍ ، ومَسامِيرَ مِنْ نَارٍ ، وعُمدٍ منْ نَارٍ ، فتطبق عليهم بتِلْكَ الأطْبَاقِ ، وتُسَدُّ بتلْكَ المَسَامِيرِ ، وتُمَدُّ بتِلْكَ العُمدِ ، فلا يَبْقَى فيْهَا خَلَلٌ يَدخلُ مِنهُ رَوْحٌ ولا يَخرجُ مِنهُ غمٌّ ، فيكُونُ فِيهَا زَفيرٌ وشَهِيقٌ ، فذلكَ قوله تَعَالَى : { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } " . وقال قتادة : عمد يعذبون بها ، واختاره الطَّبري . وقال ابن عبًّاس : إن العمد الممددة أغلال في أعناقهم . وقال أبو صالح : قيود في أرجلهم . وقال القشيري : العمد : أوتاد الأطباق . وقيل : المعنى ، في دهور ممدودة ، لا انقطاع لها . روى الثعلبي عن أبيّ بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } أعطيَ مِنَ الأجْرِ عَشْرَ حَسناتٍ ، وبعدد من اسْتَهْزأ بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم " .