Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 107, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } ، أي : بالجزاء ، والحساب ، وقرأ الكسائي : " أَرَيْتَ " بسقوط الهمزة . وتقدم تحقيقه في " الأنعام " . وقال الزمخشري : وليس بالاختيار ، لأن حذفها مختصّ بالمضارع ، ولم يصح عن العرب : " رَيْتَ " ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أول الكلام ، ونحوه : [ الخفيف ] @ 5322 - صَاحِ ، هَلْ رَيْتَ أو سَمِعْتَ بِراعٍ رَدَّ فِي الضَّرعِ ما قَرَى في الحِلابِ @@ وفي " أرأيْتَ " وجهان : أحدهما : أنها بصرية ، فتتعدّى لواحد ، وهو الموصول كأنه قال : أبصرت المكذب . والثاني : أنها بمعنى " أخبرني " فتتعدّى لاثنين ، فقدره الحوفي : أليس مستحقًّا عذاب الله . وقدره الزمخشري : من هو ، ويدل على ذلك قراءة عبد الله : " أرأيتك " بكاف الخطاب ، والكاف لا تلحق البصرية . قال القرطبي : " وفي الكلام حذف والمعنى : أرأيت الذي يكذب بالدين ، أمصيب هو ، أو مخطئ " . فصل فيمن نزلت فيه السورة نقل أبو صالحٍ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وهو قول الكلبي ومقاتل . وروى الضحاك عنه قال : نزلت في رجُل من المنافقين . وقال السديُّ : نزلت في الوليد بن المغيرة . [ وقيل في أبي جهل . وقال الضحاك : في عمرو بن عائذ . وقال ابن جريج : في أبي سفيان ، وكان ينحر في كل أسبوع جزوراً ، فطلب منه يتيم شيئاً فقرعه بعصاه ، فأنزل الله هذه السورة ] . قال ابن الخطيب : وقيل : إنه عام في كل مكذب بيوم الدين . قوله : { فَذَلِكَ } ، فيه وجهان : أحدهما : أن الفاء جواب شرط مقدر ، أي : طلبت علمه فذلك . والثاني : أنها عاطفة " فَذلِكَ " على " الَّذي يُكذِّبُ " إما عطف ذات على ذات ، أو صفة على صفة , ويكون جواب " أرَأيْتَ " محذوفاً لدلالة ما بعده عليه , كأنه قيل : أخبرني ، وإما تقول فيمن يكذب بالجزاء ، وفيمن يؤذي اليتيم ، ولا يطعم المسكين أنِعْمَ ما يصنع ؟ . فعلى الأول يكون اسم الإشارة في محل رفع بالابتداء ، والخبر الموصول بعده ، وإما على أنه خبر لمبتدأ مضمر ، أي : فهو ذلك ، والموصول نعته . وعلى الثاني : أن يكون منصوباً بالنسق ، على ما هو منصوب ، إلا أن أبا حيان رد الثاني فقال : جعل " فَذلِكَ " في موضع نصب على المفعول ، وهو تركيب غريب كقولك : " أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا " فالمتبادر إلى الذهن أن " فَذلِكَ " مرفوع بالابتداء ، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا ، فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا ، فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكِّن تمكن ما هو فصيح ، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى " الذي يزورنا " ، بل الفصيح : أكرمت الذي يزورنا ، فالذي يحسن إلينا ، أو " أكرمت الذي يزورنا ، فيحسن إلينا " ، وأما قوله : " إما عطف ذات على ذات " ، فلا يصح ؛ لأن " فذلك " إشارة إلى " الَّذي يُكذِّبُ " فليسا بذاتين ؛ لأن المشار إليه بقوله : " فَذلِكَ " هو واحد ، وأما قوله : " ويكون جواب أرأيت محذوفاً " فلا يسمَّى جواباً ، بل هو في موضع المفعول الثاني لـ " أرأيت " ، وأما تقديره " أنعمَ ما يصنع " فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على " نِعْمَ " ، ولا " بِئْسَ " ، لأنهما إنشاء ، والاستفهام لا يدخل إلا علىالخبر ، انتهى . [ والجواب عن قوله : " فاسم الإشارة غير متمكن " إلى آخره ، أن الفرق بينهما أن في الآية الكريمة استفهاماً وهو " أرأيتَ " فحسن أن يفسر ذلك المستفهم منه بخلاف المثال الذي مثل به ، فمن ثم حسن التركيب المذكور ، وعن قوله : " لأن " فذلك إشارة إلى القائم لا إلى زيد ، وإن كان يجوز أن يكون إشارة إليه ، وعن قوله : " فلا يسمى جواباً " أن النحاة يقولون : جواب الاستفهام ، وهذا قد تقدمه استفهام فحسن ذلك ] ، وعن قوله : " والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر " بالمعارضة بقوله : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } [ محمد : 22 ] فإن " عسى " إنشاء فما كان جواباً له ، فهو جوابٌ لنا . فصل قال ابن الخطيب : هذا اللفظ ، وإن كان في صورة الاستفهام ، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب كقولك : أرأيت فلاناً ماذا ارتكب . ثم قيل : إنه خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام . وقيل : خطاب لكل عاقل . قوله : { يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } قرأ العامة : بضم الدَّال ، وتشديد العين من " دعَّه " أي : دفعه ، وأمير المؤمنين والحسن وأبو رجاء : " يَدعُ " بفتح الدال وتخفيف العين . فصل قال الضحاك عن ابن عباس : { فذلِكَ الذي يدعُّ اليَتِيمَ } ، أي : يدفعه عن حقه ، قال تعالى : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [ الطور : 13 ] . [ قال قتادة : يقهره ويظلمه ، وقد تقدم في سورة " النساء " أنهم كانوا لا يورثون النساء ، ولا الصغار ، ويقولون : إنما يجوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام ] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ ضمَّ يَتِيْماً مِنَ المُسْلمينَ ، حَتَّى يَسْتَغْنِي فَقدْ وجَبَتْ لهُ الجَنَّة " . قوله : { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } ، أي : لا يأمر به من أجل بخله ، وتكذيبه الجزاء ، والحساب . وقرأ زيد بن علي : " ولا يحاضّ " من المحاضة . وقد تقدم في الفجر . قال القرطبي : " وليس الذم عامًّا حتى يتناول من تركه عجزاً ، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم ، ويقولون : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } [ يس : 47 ] فنزلت هذه الآية فيهم ، فيكونُ معنى الآية : لا يفعلونه إن قدروا ، ولا يحثون عليه إن عسروا " .